تُشير الإحصاءات العالمية إلى أنّ التجارة الرقمية، أو الإلكترونية، تتجاوز في حجمها الكلي نحو 6 مليارات دولار، وإنّ العامين الماضيين شهدا زيادة حقيقية في حجم تلك التجارة، بما يزيد على 20 %. هذه التجارة التي تقودها اليوم شركات عالمية صينية وأميركية، مثل أمازون Amazon وعلي بابا Alibaba وإي باي eBay، باتت تسيطر الصين على ما يقرب من 50 % منها، تأتي من بعدها الولايات المتحدة، بنحو 17 %، ومن ثم بنسب أقل كل من بريطانيا، واليابان، وألمانيا. التجارة الرقمية، التي تتم في ثوانٍ معدودة عبر التطبيقات المختلفة تشكل اليوم تحديا كبيرا لعدد لا بأس به من التجار التقليديين، الذين يرزحون في محالهم ينتظرون مرور الزبائن الذين في كثير من الحالات يتفحصون نوافذ العرض أكثر مما يشترون. بيد أن التجارة الرقمية الإلكترونية أثبتت أنها مجال واسع للتصفح، والتحفيز على الشراء، والوصول إلى الأسواق العالمية، ما زاد من حجم التداول عليها بشكل كبير، فهي اليوم تشكل 25 % من حجم التجارة الكلية عالمياً، ما يعني أنها تتطور بسرعة فائقة قد تجعلها الأكثر سيطرة على سلوك المستهلكين في الأجل المتوسط، خاصة وأن مستهلكي المستقبل هم ممن يُعرَفون بأجيال “زد”، وأجيال “ألفا”، أي المولودين بين الفترات 1995-2009، و2010- اليوم. وهم أجيال يعتبرون الرقمنة والتقنيات ضرورات حياة، المرجع الوحيد للمعرفة، والتطور، والحداثة. الشاهد مما سبق، أن تذمر بعض التجار من انخفاض مستوي مبيعاتهم، ومطالبتهم للحكومات بتقييد التجارة الرقمية، ووضع إجراءات وعراقيل عليها، بدعوة استثماراتهم، وتشغيلهم للقوى العاملة، وصرفهم على البنية التحتية، وغيرها، هي مطالبات لن تجدي نفعاً، لأن تطور الرقمنة في العالم أمرٌ عابرٌ للحدود، ومخترقٌ لكل قواعد العرف التقليدي. وفي المقابل، فإن المستشرفين للمستقبل من التجار، صغيرهم وكبيرهم، منتجهم، وموزعهم، تحول نحو الرقمنة، من خلال تطوير شبكة أعماله عبر التطبيقات الخاصة، وعبر استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي، ولجأ إلى التسويق، بل والترويج، والتوصيل المجاني، من أجل البقاء في السوق، والاستفادة من الفرص التي يوفرها، وهي كثيرة، بل وأعظم في مردودها، وتنوعها، مما اعتاد عليه كثير من التجار. والقناعة الحقيقية في عالم اليوم أن كل من سيقاوم التطوير سيخرج من اللعبة، سينقرض، وعليه فإن كل تاجر يعتقد أن الرقمنة عدوه، وأنها تأكل من حصته، أمامه خياران، إما أن يبقى لخدمة من البقية الباقية ممن يجوبون الأسواق، مشترين أو متفرجين، أو أن يخرج من السوق وينقرض ويخسر تاريخه وسجله التجاري، مقولة من لا يتطور ينقرض قائمة اليوم، وفي كافة المجالات والفضاءات، أكثر من أي وقت مضى.