قرارات الحكومات في شؤون الشعوب دائمًا ما تبنى على دراسات متأنية واستمزاج رأي أهل الخبرة والدراية والاختصاص والعلم، والأصل أن كل قرار مسبوق بتوقعات وأولويات وخيارات وبدائل وخطة تنفيذية تتضمن طريقة تنفيذه ومداه والنتائج المتوقعة منه.
وما دامت الدولة كيانًا دائمًا لا مؤقتًا، فإن الأصل أن تبنى القرارات العامة المجردة المتعلقة بالشأن العام لتحقق تأثيرات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية لمدى متوسط أو طويل، لأن الأصل كذلك استقرار أنماط حياة المجتمعات واستتباب أعرافها وعدم قبولها بالتغيير السريع أو الآني إلا لمواجهة ظرف استثنائي أو طارئ.
في خضم المدافعات الفكرية التي تابعتها خلال الأيام الماضية ما بين غالبية من الواضح يرفضون زيادة سن التقاعد، وبين أقلية ترى زيادة سن التقاعد نظرًا لزيادة العمر الافتراضي أو المتوقع للمواطن البحريني وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للسكان بما يحقق استدامة لصندوق التقاعد والتأمينات.
في الواقع تركز منظمة الصحة العالمية على العمر الصحي المتوقع وليس العمر الافتراضي المتوقع، والفرق بينهما كما يشير موقع منظمة الصحة العالمية إلى أن العمر الصحي المتوقع هو متوسط عدد السنوات التي يمكن أن يعيشها الشخص بصحة كاملة منذ الولادة، أما العمر الافتراضي والمتوقع فهو عدد السنوات التي يمكن أن يعيشها المواطن.
في العمر الصحي المتوقع أنت فيه كمواطن تتمتع بصحة بدنية ونفسية جيدة وقادر على العمل، وهو في تقديرنا الذي تبنى عليه نظم التقاعد، وهذا السن وفق ما ذكرت منظمة الصحة العالمية بخصوص البحرين كان 62 سنة في عام 2000 وازداد إلى 64 سنة في عام 2021، وهذه آخر سنة وجدناها في موقع المنظمة.
أما العمر الافتراضي أو المتوقع فالمواطن قد يكون منهكًا من الأمراض المزمنة ويتلقى الأدوية وتطول حياته – والأعمار بيد الله جل في علاه – بسبب توافر الرعاية الصحية فهو محمول مكفول على شرط تطور النظام الصحي وتوفر الدواء، وهذا العمر مؤشر لتحسن الرعاية الصحية والنظام الصحي وقدرته على توفير الاحتياجات الصحية والدوائية، ويقدر العمر الافتراضي أو المتوقع في البحرين وفق منظمة الصحة العالمية بـ 71 سنة في عام 2000 وتحسن إلى 74 سنة في عام 2021.
من الملاحظ أن الحكومات الأوروبية قد أخذت بالعمر الافتراضي لزيادة سن التقاعد ما عدا حكومات الدول الاسكندنافية كالدنمارك والسويد التي تأخذ بالعمر الصحي المتوقع وهي كما هو معلوم أكثر دول العالم سعيًا لتحقيق رفاهية شعوبها وسعادتهم. وأما عن موضوع أوجه استدامة صناديق التقاعد والتأمينات ففيها مقال قادم إن شاء الله.