العدد 5726
الثلاثاء 18 يونيو 2024
banner
يوميات شاريت الممنوعة
الثلاثاء 18 يونيو 2024

صاحب اليوميات هو موسى شاريت أول وزير خارجية لإسرائيل وثاني رئيس وزراء بعد بن جوريون، بين عامي 1953 - 1955. وشاريت المولود في أوكرانيا (1894 - 1965) كان من أنصار التفاوض والسلام وتأجيل إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1984 عدة أسابيع، لكن بن جوريون اعترض على فكرة التفاوض ورفض التأجيل متهما شاريت بأنه يعارض قيام الدولة، ورد شاريت بأنه يفضل الحل السياسي على الحل العسكري، فالوسائل الدبلوماسية تحقق الهدف نفسه. انتصرت وجهة نظر بن جوريون ولم يتوقف الصراع بين الطرفين حتى تم طرد شاريت من وزارة الخارجية في حكومة بن جوريون. هزيمة شاريت اعتبرها نعومي تشومسكي ضربة إلى دعاة الاعتدال أدت إلى صعود المتشددين مثل بن جوريون وديان وغيرهم ممن اتخذوا العنف منهجا وسبيلا. مضيفا أن يوميات شاريت الممنوعة تكشف لأول مرة العالم الحقيقي الذي يقبع وراء التاريخ الرسمي. لقد ظلت يوميات شاريت بعد وفاته ممنوعة في إسرائيل وتعرضت أسرته لضغوط وتهديدات لعدم نشرها، وكتبت صحيفة معاريف في صفحتها الأولى عام 1980: كارهوا إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية ترجموا بدون إذن يوميات موشى شاريت، وهي تغطي السنوات الأخيرة من حياته السياسية حتى نوفمبر 1957.

هذه اليوميات شاهدة على بشاعة الساسة الإسرائيليين الذين يصعدون كلما كانوا صقورا تتغذى على جثث الفلسطينيين، ويسجل شاريت في يومياته قول موشي ديان: إن العمليات الانتقامية مادة حيوية بالنسبة لنا، فهي تساعدنا على حدوث توتر عال لشعبنا، ومن أجل أن يذهب شبابنا إلى النقب يجب أن نصيح إنها في خطر، ولابد من التضحية بأرواح يهودية من أجل خلق الاستفزاز وتبرير القيام بعمليات انتقامية جديدة. كما يسجل شاريت شهادة مروعة لجندي إسرائيلي شارك في حرب 1948 واحتلال قرية الدوايمة الفلسطينية: قتلت ما بين 80 إلى 100 عربي من النساء والأطفال.


قتل الأطفال كان يتم بتحطيم رؤوسهم بالعصى، لم يكن هناك منزل واحد بلا جثث، جاء المخربون لكي يفجروا المنازل بالديناميت. أمر قائدنا بإحضار امرأتين إلى المنزل الذي كان على وشك تفجيره. جندي آخر افتخر بأنه اغتصب امرأة عربية قبل إطلاق النار عليها وقتلها، أمر الجنود امرأة أخرى معها رضيعها بتنظيف المكان لمدة يومين، وبعد ذلك أطلقوا النار عليها وعلى طفلها، الرجال أصبحوا قتلة لهم منهج في القتل والإبادة.

كما يسجل أيضا عملية تدمير 30 منزلا في قرية قبية الفلسطينية عام 1953. يكتب هذا العمل الانتقامي لم يسبق له مثيل في حجمه وفي قوة الهجوم المستخدمة، ظللت أسير في حجرتي ذهابا وإيابا، وأنا بلا حول ولا قوة أشعر بكآبة كاملة بسبب عجزي، كنت مرعوبا من التفاصيل التي استمعت إليها، عشرات المنازل سويت بالأرض وعشرات الأفراد قتلوا.

ربما يكون شاريت أرفع مسؤول إسرائيلي يتحدث عن بشاعة ما يقوم به الإسرائيليون من عمليات قتل وتدمير وإبادة للشعب الفلسطيني، لذلك تم العمل بكل السبل على منع هذه اليوميات من أن ترى النور.

وليس من شك في أن ما كتبه شاريت يعتبر هينا بالقياس إلى الجرائم غير المسبوقة التي تحدث منذ 7 أكتوبر الماضي، فماذا سيكتب أصحاب الضمائر عن مذابح الإبادة في غزة بعد أن ينقشع غبار المعارك؟.

مدير تحرير “الأهرام”

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية