أصدر الكاتب اليهودي الأميركي ريتشارد بن كرامر كتاب "كيف خسرت إسرائيل" فتعرض لهجوم شديد ومعاملة خشنة في أميركا، وتم تصنيفه على أنه معاد لإسرائيل، يشارك في مؤامرة لتشويه الدولة اليهودية، وأنه يهودي كاره لنفسه. فما الذي فعله الكاتب؟
عاش بن كرامر لمدة 7 سنوات في إسرائيل وفلسطين بداية من ديسمبر 1978، حيث عمل مراسلا صحافيا، رأى بعينيه سقوط الحلم، حلم الدولة المثالية التي كانوا يحدثونه عنها في المدارس وخلال العظات الدينية. "ظللت طوال حياتي أحلم معتبراً إسرائيل بلدا جميلا"، لكنه شاهد مدى زيفها بعد توسعها بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات. وصلت إلى درجة غير مسبوقة من الإجرام، ما جعل إدارة بوش ترسل إليها خبراء قانونيين ليتعلموا كيفية تبرير جرائم القتل، نوع جديد من التعليم في معمل صهيون القبيح. كانت أول صدمة تلقاها المؤلف حينما رأى للمرة الأولى دبابة إسرائيلية تطلق النار على الفلسطينيين فأخذ يتساءل: ما فائدة أن تكون يهودياً إن لم تكن لديك ذرة إحساس بالإنسانية. "ظننت أنني أعرف إسرائيل لكن اتضح أن هذا غير صحيح، البلد الذي أعرفه انتهى ودفن". لا يوجد كائن حي في فلسطين أو إسرائيل لم يتعرض للصدمة والقسوة. الصدمة أيقظت ضميره جعلته يعترف: إسرائيل خسرت قضيتها عندما بدأت سياسة هدم البيوت وضم الأراضي والاغتيالات والتمييز العنصري، وأصبحت تباهي بها على نحو علني، تفعل الجرائم بكل تبجح واستهانة بالقيم الأخلاقية والقوانين الدولية، أصبحنا نرى للمرة الأولى مشاهد كان من المستحيل أن نراها على شاشات التلفاز، بيوت مهدومة على رؤوس أصحابها وجثث الأطفال الفلسطينيين متناثرة. خلال الكتاب الذي ترجمه المركز القومي للترجمة في مصر منذ سنوات يشرح المؤلف كيف خسرت إسرائيل قضيتها حين خسرت تعاطف الرأي العام العالمي الذي كان يقف إلى جانبها. لسبب أو لآخر فقدت إسرائيل السيطرة على الحكاية التي تعتبر بالنسبة لها شريان الحياة. تغيرات كثيرة حدثت وعند نقطة ما على الطريق، شعرنا أنهم ليسوا مثلنا، ولا نريد أن نكون مثلهم.
المؤلف كان يدرك بالتأكيد أن كلامه سيكون مؤلما للإسرائيليين ولذلك يفسر وجهة نظره: إن ما أناشد إسرائيل أن تفعله هو أفضل فرصة لها من أجل السلام، إنني أريد أن يعيش أطفال إسرائيل وأطفال فلسطين حياة بلا خوف. إن ما أريده بالتحديد هو ما خسرته إسرائيل، معيشة أفضل مفعمة بالحياة لشعبها.

مدير تحرير "الأهرام"