لبّى إمام مسجد في إحدى القُرى دعوة زوجين على وجبة إفطار في إحدى ليالي شهر رمضان، وبعد أنْ انتهى من تناول وجبة الإفطار معهما وغادر البيت؛ لاحظت الزوجة غياب مبلغ من المال كانت قد نسيته على مائدة الإفطار، فساورها الشكّ حول الإمام، فأسرعت لإخبار زوجها بالواقعة وطلبت منه مصارحة الإمام إلا أنّه رفض وقرّر ألا يُصلّي خلف هذا الإمام ويمتنع عن الذهاب للمسجد نهائياً!

ودارت الأيام والشهور حتى حل الشهر الكريم مرة أخرى، وقال الرجل لزوجته: نحن في شهر الرحمة وعلينا الصفح، والإمام - كما تعلمين - لا أهل له في قريتنا وسأدعوه إلى الإفطار معنا هذا العام، إلا أنّ الزوجة قبلت بشرط أنْ يُصارح الإمام في أمر المال المسروق.

وبعدما انتهى الإمام من تناول الفطور؛ واجه صاحبُ المنزل الإمامَ بالحقيقة، وأقرّ بأنّه مَنْ أخذ النقود إلا أنّه وضعها في المصحف على الرّف الذي ظلّ مهجوراً طيلة سنة كاملة دون أنْ يُمسّ! ذلك هو القرآن الكريم الذي حقّ على المسلم تعظيم مكانته وتلاوة أجزائه وتجويد أحكامه وإقامة حروفه وفهم مفرداته وتدبّر معانيه ومعايشة منهاجه وتحبيب الأهل والأبناء إليه بتشجيعهم على حفظه وتدارسه بالقراءة الدائمة والاتعاظ لقصصه العابرة والاعتبار لآياته المؤثرة وأمثاله المأثورة والوقوف عند حدوده واتّباع أوامره بتحليل ما حلّل وتحريم ما حرّم والدعوة إليه بالحكمة والبصيرة والمداومة عليه آناء الليل وأطراف النهار.

نافلة:
وجود ما يُقارب (340) مركزاً قرآنياً موزعة بين الرجال والنساء في مختلف المناطق والقرى والمُدن في المحافظات البحرينية الأربع، يُظهر حجم المساعي المشهودة التي يبذلها المعنيون في إدارة شؤون القرآن الكريم بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بالتعاون مع الكوادر الريادية في المؤسسات الأهلية من أجل تعزيز الاستراتيجيات الكفيلة بتوجيه الأجيال المُتعاقبة وترسيخ وشائج علاقاتهم الإيجابية بالكتاب الكريم واتباع تعاليمه بحفظه وتعلّمه وتطبيق أحكامه في سائر الأمور الحياتية عبر تنظيم دورات القراءة الصحيحة وفصول علوم التجويد وأحكامهما، فضلاً عن إقامة المسابقات الموسمية والسنوية وعقد اللقاءات التذكارية التي تعمل على إحياء علومه الشرعية وترسيخها في قلوب هذه الأجيال، وصولاً إلى تنفيذ البرامج العلمية والتربوية والثقافية التي تتوق إلى تمثيل مملكة البحرين في مسابقات القرآن الكريم وتحقيق أفضل المراكز المتقدمة.. وكلُّ عامٍ والجميع بخير.

كاتب وأكاديمي بحريني