العدد 5592
الإثنين 05 فبراير 2024
في ذكرى تأسيس قوة الدفاع.. ضوئنا الأول وحارس مملكتنا الحبيبة
الإثنين 05 فبراير 2024

في الرابع عشر من شهر سبتمبر العام 1967، وعندما التحق جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه بدورة عسكرية متقدمة ومكثفة في كلية “مونز” الحربية للضباط في مدينة درشوت همبشاير، دخل جلالته إلى تلك الكلية وهو يحمل آمالاً عظيمة بإنشاء وتأسيس أول قوة عسكرية وطنية محترفة في البلاد، تتحمل مسؤولية الدفاع عنها، وحماية أمنها واستقلالها الذي كان قابعا في علم الغيب وقتها؛ ولكنه كان حلما ناهضا في قلب طموحات القائد الشاب كما أثبتت الأيام وسجّل التاريخ.. وكتب جلالة الملك فيما بعد، وهو يسجل تلك الأمنيات والتطلعات: “إن رؤية الجنود الأجانب وهم يتجولون في هذا البلد، بحجة حمايتها، في الوقت الذي كنت أعتبر حمايتها من صميم واجبات أبنائها، كانت تدفعني منذ الصغر، لاختيار طريق الجندية. لقد أدركت مبكرا، ومنذ وقت بعيد، أن البحرين ستحتاج في يوم قريب، لجنود من أبنائها، يتحملون مسؤولية حمايتها والدفاع عنها.. وقررت أن أكون واحداً منهم”.
 وعندما تخرج جلالة الملك من الدورة العسكرية في 16 فبراير عام 1968، عاد إلى أرض الوطن، وهو يحمل في ذهنه وفكره ووجدانه المفعم بالبحرين ومستقبلها مشروعه الوطني الكبير المتمثل في تأسيس قوة 
عسكرية وطنية تحمل مسؤولية الدفاع عن الوطن، وتستوعب احتياجاته الأمنية والعسكرية وتطلعاته النهضوية
 كانت تطلعات قائد رأى في نفسه منذ الشباب محركا أساسيا من محركات التغيير والتطوير في بلده ووطنه وتاريخ شعبه. وكانت طموحات قائد شاب يرى المستقبل بعيون يملؤها الوعد ويشتعل فيها الإيمان.. فجاءت قوة دفاع البحرين، كما اعتبرها وعبر عنها القائد والمؤسس دائما بأنها “ضوء أول” ينطلق في سماء البحرين ووجدانها، ويرسم أولى البشائر في تاريخها الحديث.

ومنذ البدايات الأولى عمل قائدها ووالدها الشاب على تأهيلها لمواكبة استحقاق قيام الدولة، من خلال رفدها بالمزيد من أحدث التقنيات والمعدات العسكرية، واستقطاب الكفاءات البحرينية الشابة، إلى الالتحاق بقاطرة الجندية التي صارت تشكل حلم جيل الشباب البحريني في ذلك الوقت بفعل الصورة الناصعة التي عمل القائد المؤسس على إبرازها عن هذه القوة الناشئة والمفعمة بالآمال والطموحات. وبنى لها جاهزيتها التي جعلت منها ركنا أساسيا من أركان تكريس الاستقلال التام ومن أقوى معطيات امتلاك البحرين لقرارها ولمسؤولية الدفاع عن ارضها وشعبها وتثبيت أركانها كدولة ناجزة تسير على خط وطني واضح وتعمل ضمن المنظومتين الخليجية والعربية لما فيه خير الجميع. ووضع لها فلسفتها التي كرست منها رافعة رئيسية من روافع التنمية الشاملة في البلاد. ومنحها جل وقته واهتمامه ورعايته، وكانت دائما محط أحلامه وتفكيره وطموحاته. وجعل منها قوة عسكرية ذات جاهزية عالية، وذات كفاءة تدريبية، وزودها دائما بأحدث المعدات والأسلحة والتقنيات.. جنبا الى جنب مع تأسيس حالة مستدامة فيها وبين أفرادها وضباطها والعاملين فيها من الوعي الوطني الخالص والإخلاص للوطن وقيادته وشعبه وأرضه ورسالته الحضارية.
 
تمر هذه الخواطر والتدوينات في البال والذاكرة، ونحن نشارك بوجداننا في إحياء ذكرى ميلاد وتأسيس قوة الدفاع، وانطلاقتها ضوءا مبكرا في سماء الوطن ووجدانه وتاريخه والتزاماته القومية والوطنية.. واحتياجاته الأمنية والدفاعية والعسكرية.. فقوة الدفاع، قامت من أجل هذه الالتزامات والواجبات والأهداف.. وهي اليوم من أجلِّ مؤسسات الوطن وأعزها على قلوبنا جميعا.. قوة وطنية للتحدي والدفاع والعزيمة، وقوة لحراسة الوطن والدفاع عن ثراه ووجوده وكيانه.. وقوة تبذل الغالي والنفيس في سبيل القيام بواجباتها التي تأسست لأجلها، والرسالة التي تحملها في صميم عقيدتها الوطنية والعسكرية.
 
وبين مرحلة الانطلاقة المباركة كضوء أول للوطن وأمنه وتاريخه ورسالته.. وبين الواقع الحالي للقوة التي تزايدت عددا وعدة وتجهيزات ومعطيات ومقدرات.. ثمة ملحمة وطنية من نجاحات وجهاد وتضحيات كبيرة بُذلت لإيصال هذه القوة الفتية إلى ما وصلت إليه اليوم من مكانة مرموقة محليا وخليجيا، وما تتمتع به من جاهزية عسكرية وكفاءة احترافية، إلى جانب ما ترتكز عليه من عقيدة وطنية إسلامية عروبية ثابتة.. وما يوكل إليها من مهام وواجبات تتعدى الشأن العسكري المباشر إلى شؤون أخرى تنموية ونهضوية سامية ومهام إنسانية وإغاثية خارج الوطن وضمن التحالف العربي والخليجي وعلى حدنا الجنوبي، الذي سقاه شهداء القوة من دمائهم الزكية؛ وبذلوا في حمايته والذود عنه أرواحهم الطاهرة.. ففازوا بالحسنيين: الشهادة في سبيل الله؛ والامتثال لنداء الوطن ورسالته وواجب قوة دفاعه.
 
في عيد ميلاد قوة دفاع البحرين وضوئها الأول والمستمر إن شاء الله، نسجل في أول صفحة من سفر البطولة أنها كانت دائما وما تزال: قرة عين المليك القائد والمؤسس، ومصدر فخر واعتزاز الوطن الحاضن، ومبعث ثقة الشعب الوفي.. ونسجل في سفر الإنجاز والتطوير والجاهزية أنها كانت وما تزال الدانة الكبرى في عقد منجزات الوطن، وأنها سياج البلاد وحصنها الحصين.
 
وفي ذكرى التأسيس المجيدة، نستذكر ما سجله جلالة القائد الأعلى من مذكرات حول انطلاقة قوة الدفاع، ووصفه لتلك الانطلاقة في ذلك الوقت المبكر من عمر الدولة بأنها (ضوء أول).. ونعم: ضوء أول ساطع ومديد؛ سيبقى ينير للبحرين طريقها ويحرس دربها ويساهم في صناعة أمنها وأمان شعبها.. وضوء أول لامع وشاسع وأمين؛ يضيء قلوبنا وطموحاتنا واعتزازنا بقيمنا الوطنية الراسخة ورايتنا الخليفية السامقة.. وضوء أول في تاريخنا ومسيرة انجازاتنا؛ نحتفي به كل حين ونشعل له كل عام شمعة في عيد ميلاده وذكرى انطلاقته.. ونقول: كل عام والوطن وشعبه وقيادته وقوة دفاعه بكل خير.

 

* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .