أعجبني حوار دار لي منذ أيام مع طفل في الثانية عشرة من عمره، حيث جال به الحديث إلى موقف له مع أحد أصدقائه، وراح في ختامه معقبًا على ما حصل لذاك الصديق نتاج تصرف معين حاول من خلاله أن يلحق الأذى بالطفل ذاته، مستدركًا بقوله “السحر انقلب على الساحر”. بصراحة تامة، تحمست أكثر للحوار معه، خصوصا بعد سماعي تلك العبارة المشهورة، وهو على وعي تام وفي إدراك سابق لعمره في حكمه وتحليله للموقف، فكان كمن استنهض في ذاكرتي العديد من المواقف التي قد يتعرض لها الإنسان في حياته، وقد شهدنا العديد منها في محطات حياتنا لا محالة، وهي تلك المواقف التي يكون في بوادرها التعرض للضرر والأذى، لكنها قد تصرف أو تعود لصاحبها الذي أخذه عنوة التخطيط والتدبير لذلك.
لذلك، أعتقد أن هذا الأمر يعني الكثيرين منا، طالما أن طفلاً في عقده الثاني قد وصل لمرحلة يدرك فيها مفهوم الضرر وانعكاساته السلبية على كل الأطراف المحيطة به، ووصلت به مرحلة التقييم إلى التعليق على تصرف صديقه بأنه من التصرفات السيئة التي تؤدي إلى أذية الغير، لكنه في ذات الوقت كان متيقنًا بأنه لم يلحق به الضرر جراء ذلك الموقف، لدرجة أنه لم يفكر في إظهار أية ردة فعل مماثلة أو الابتعاد عن صديقه.
فأعجبتني أكثر، تلك النقاوة التي بدا عليها تفكيره، وتمنيت ألا تلامسها العجائب من تصرفات البشر كذاك الساحر أو غيره، وأن تبقى هكذا حسنة التصرف بالرغم من ظهور الرغبة في تعرضه للضرر من أشخاص مقربين. أعزائي القراء، هذا الموقف البريء هو درس عميق في تطبيق قاعدة التجاهل الذكي التي تحدثنا عنها في مقال سابق، لكنه في هذه المرة يؤكد أن النقاوة هي أساس الصحة النفسية للجميع.
كاتبة وأكاديمية بحرينية