كمن يحاول إثبات حقيقة علمية، أو ترسيخ مفاهيم ومنهجيات معينة، أو تعليم درس في فنون القواعد النحوية، تقول له “المَطَرُ فِي السّماءِ”، فيقول: نعم كما توجد بها نجوم كثيرة، وكم رغبت في إمساك إحداها عندما كنت صغيرًا! يعيش الحاضر والأمس معًا، ولا يستغني عن عقلية “يوم كنا” أو “لقد كنا هناك”، يظن أنه يسايرك، وتظن بأنك تسايره، ولكن هل تعلمون لمن الغلبة هنا؟
في اعتقادي، هي نسبة تميل لصالح إحدى الكفتين والمعيار هنا ليس في درجة المسايرة بقدر ما يكون في معايشة الحاضر ونية الاستعداد الدائم لتقبل الأجمل منه، ومن هنا تتضح مستويات التفاعل بين الأجيال بقدر ما تمتلك من قدرة على حمل الماضي وبلورته بما يضاهي الحاضر ويصنع منه واقعًا أجمل، وهذه مجريات الأقدار في زمن لن يتوقف عن المرور على كل مجريات الأحداث التي نعيشها، فيبقى الأبطال والمشاركون كل حسب الدور الذي يقومون به ويناط لهم، في حركة دائمة نحو المرور الآمن للظفر بمكافأة الزمن التي لن تفرق بين أحد إلا بمستوى التقدم المحرز والانخراط التام في مجريات الأحداث بكل همة، فهؤلاء هم الظافرون لا محالة. وفي الاتجاه المعاكس، يبقى القابعون في “زمن كان” بعيدين عن كل نهضة، لأنهم يرونها في اتجاه يضر بما يمتلكون من إمكانيات كانت خلاقة في ذاك الزمن، ولا يسمحون ملامستها أو مقارنتها بما هو آني معاصر، ومن الصعب أن يلامسها التطوير والتجديد والتغيير، لأنها الأسمى من وجهة نظرهم والأبقى.
مساكين! لقد حاصرتهم الظنون وأبعدتهم عن الزمن مسافات لن يمكنهم مجاراتها اليوم إلا بفك قيود الأنا التي أقبعتهم في زمان قد كان، وصاروا يشككون في وجود المطر في السماء. لهؤلاء كل التحية لما بذلوا، وخالص الرجاء بأن يصدقوا ويصادقون الزمن.
* كاتبة وأكاديمية بحرينية