العدد 5537
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023
banner
تبلد
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023

نلتهم طعامنا بلذة أمام نشرات الأخبار التي تبث الموت، نشاهد دون اكتراث أكوام الشهداء قرب الأنقاض، نرقب انتشال جثث وجرحى بأعيننا وقلوبنا غلف.. ينتهي الخبر وقد لا ينتهي فنقفل التلفاز، وننتقل في هواتفنا لتطبيقات أخرى تبث السخف لنضحك كالبلهاء فنشتت صورا ذهنية مؤلمة لاحقتنا في الخبر الأخير، كمن يبدد الطعم الحار في لسانه برشفة من حليب.
متى صار ذلك عاديا يا ترى، ومتى صار منظر الموت والأشلاء التي تحمل في الأكياس محتملا ومعتادا؟ متى تجرد واحدنا من الشعور والتعاطف، وكيف تجرأنا على العيش في أمان ولنا تحت القصف إخوة وأبناء وآباء؟ متى تبلدت مشاعرنا حتى الموت؟ كيف بالله ننام ونستسيغ الطعام؟ ألا يكفي أننا لا نحرك ساكنا ولا ننتفض ولا نثور ولا نعين بأي شكل من صنوف العون؟
مقززون، ومفلسون، من كل ذرة حس في ضمائرنا، حتى بضوء أخضر منا، أوقفنا المقاطعة وعاد كل منا لسلعة العدو بعد طلاق كان رجعيا من الأساس. تعودنا على مشاهد الدمار في غزة، واعتدنا على رؤية أدمغة متدلية من الرؤوس لأطفال لم تمتلئ رئاتها من متعة الحياة، تعودنا على مشاهد الإرهاب في لبنان والعراق.. بكينا كثيرا في البداية وسحت دموعنا السجام ثم جفت بعد فصل الحزن الأول وتبخرت بعد الاعتياد.
هذا التبلد العاطفي بحسبي داء يصنف بالعضال، حين يغيب عنا الشعور والانفعال، وتتسم تصرفاتنا باللامبالاة وعدم الاكتراث، نتيجة الفشل في حل المشكلات، ذلك الفشل المفضي للاستسلام والرضوخ للواقع المؤلم الذي لا نستطيع تغييره، فنفقد الشغف في بذل أي جهد لدفعه للأمام، وبعد أن كان طفلا واحدا يموت في أحضان أبيه يهزنا ويشعل العالم بالغضب والثورة، باتت مشاهد الإبادة والدمار وأشلاء الصغار عادية لا تشعل عود ثقاب.

كاتبة بحرينية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية