مثلما تعرّض عميد الرواية العربية نجيب محفوظ للطعن والتشكيك في وطنيته، وفي استحقاقه نوبل الآداب 1988،لمجرد أن عبّر عن رأيه الخاص-اختلفنا  معه أم اتفقنا- بتأييد اتفاقية كامب ديفيد بين حكومة بلاده وإسرائيل، فقد تعرّض عميد الأدب العربي طه حُسين هو الآخر لحملة ظالمة تتهمه بالصهيونية وتقلل أو تشكك في مواقفه المشهود له بها في الدفاع عن قضية العرب المركزية،القضية الفلسطينية، ولقد تناولنا تحت عناوين سابقة، ومنها مقابلة المذيع الكويتي نجم عبد الكريم معه ،ومقدمته الضافية لرواية " مذكرات دجاجة" للأديب الفلسطيني إسحاق الحسيني، كيف عبّر بوضوح قاطع عن تعاطفه مع القضية الفلسطينية.لكن يبدو ثمة من تستهويهم الأضواء، ولا يتورعون عن نبش قبر العميد من خلال إعادة نبش قضايا مختلفة، أدبية ونقدية وفكرية وسياسية،خاضها طه حسين وانتصر فيها بلا جدال. ولو كان الرجل أدرك ما يحدث الآن من مجازر متصلة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لما تردد عن بذل المستحيل، من موقع مسؤوليته وتخصصه ونفوذه الأدبي والفكري في مصر وفرنسا، لنصرة ودعم هذا الشعب العربي بمختلف أشكال الدعم الممكنة.
ومن آخر ما أُثير من اتهامات مغرضة مشككة في مواقف العميد القومية إزاء القضية الفلسطينية،إعادة نبش قضية تعاونه مع الأخوة اليهود المصريين الأربعة هراري، مارك وريمون وإدجار وارنست، لرئاسة تحرير مجلة"الكاتب المصري" في منتصف أربعينيات القرن الآفل، وهي المجلة التي حققت نجاحاً سابقاً منقطع النظير في تلك الفترة، وكانت أن نشرت ترجمات لكبار الأُدباء الروس مثل تولستوي ودوستوفيسكي وتورجنيف، وكذلك لأُدباء وكتّاب فرنسيين، أمثال أندريه جيد وجان سارتر والببر كامي.
ومما يؤسف له أن الأكاديمية الإعلامية المصرية الدكتورة عواطف عبد الرحمن في كتابها الصادر قبل نحو ست سنوات بعنوان" المشروع الصهيوني ..  الاختراق الصهيوني لمصر من 1917 إلى 2017" وجهت اتهامات ظالمة على عواهنها إلى طه حسين بأن يهود مصر تمكنوا من كسب تعاطفه مع القضية الصهيونية، وأنه تجاهل القضية الفلسطينية،  وأنه كان" إحدى أدوات الاختراق الصهيوني لمصر".
وتمضي في اتهامها بأن طه حسين في إحدى مقالاته الافتتاحية في "الكاتب المصري"  أبدى تعاطفه مع المهاجرين اليهود على ظهر سفينة، منوهاً إلى أنهم سيقيمون في وطن ليس وطنهم، وأنه لم يطرح الحل الصحيح للمشكلة. واللافت أن كتاب عبد الرحمن قد صدر بعد سبع سنوات من كتاب وزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم" طه حسين والصهيونية" الصادر عن دار الهلال والذي تناول فيه القضايا نفسها التي استندت إليها الدكتورة عبد الرحمن في التشكيك في وطنية العميد، وفنّد بالتحليل الموضوعي تلك الاتهامات . ولعل مرافعة الناقد والسياسي الراحل محمد دكروب من أفضل المرافعات المفصلة التوثيقية المهمة التي قُدمت حول هذه القضية القديمة المتجددة، وتستحق أن نتناولها تحت عنوان منفصل قادم.