العدد 5480
الإثنين 16 أكتوبر 2023
banner
الإعلام الإلكتروني.. بين التحريف السياسي ودعوة لاستقلال إعلامي
الإثنين 16 أكتوبر 2023

في هذه الأيام، نشهد، مرة أخرى، مأساة إنسانية عميقة، حيث نصبح شهوداً على مشاهد مروعة من قتل الأطفال والنساء والأبرياء، وتهجير جماعي، بالإضافة إلى إغلاق ممرات إنسانية، والتي تعرقل وصول الدعم الأساسي من الغذاء والدواء لمن هم في أمس الحاجة إليه، وذلك في تجاهل صريح لالتزامات وأحكام المجتمع الدولي. صور تثير الألم وتترسخ في الذاكرة، حيث تصبح دمعة الأم وابتسامة الطفل ويد العجوز جزءًا لا يتجزأ من وجداننا. ومع ذلك، نشهد تجاهلاً شديداً لهذه الصور المروعة، حيث يتم الترويج عبر وسائل الإعلام الإلكتروني لتبريرات المعتدي. يتم توجيه التوجهات السياسية للمحتوى الإعلامي، تُحرف الحقائق وتُظهر دعماً غير مبرر للمعتدي في مواجهة الحقيقة. هذا الوضع يكشف استغلال الانتهاكات لخدمة أجندات سياسية، يعمق جرح المأساة التي نعيشها ويضاعف الألم والإهانة. فيُسهم الإعلام في صنع تناقض واضح في مواقف المجتمع الغربي مقارنةً بالمبادئ والأعراف التي يزعمون الالتزام بها، إذ يقفون، بشكل لافت، إلى جانب المعتدي، معرضين أنفسهم لاتهامات بالتحيز والتناقض.
الإعلام الإلكتروني لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أصبح أداة فعّالة في أيدي السياسيين لتحقيق أهدافهم. هم يستخدمونه لتحريف الحقائق وتشويه الصورة الحقيقية للأحداث بما يخدم أجنداتهم. كما نلاحظ هذه الأيام كيف يمكن أن يتم تصوير الأحداث بشكل يحاكي سردية معينة، مُبرِرة الأعمال غير الإنسانية والاستراتيجيات المثيرة للجدل. يتم توجيه المعلومات والصور إلى الجمهور بطريقة تعمل على تشكيل الرأي العام وفقًا للمصلحة السياسية، مُعكِّرة المياه ومضللة الحقائق المؤلمة.
ما الحل؟ يبدو أن الزمن حان للتفكير جديًا في تطوير منصات تكنولوجية وإعلامية محلية تُعنى بحماية مصالح مجتمعاتنا وقضايانا. منصات تكون صوتًا حقيقيًا لنا بعيدًا عن تأثيرات السياسة الدولية والضغوط الخارجية. منصات تمنحنا القوة لنقف في وجه التحديات ونحمي هويتنا وقضايانا من التشويه.
إذاً، السعي لتطوير منصات إعلامية وتكنولوجية محلية لا يُعتبر مجرد استراتيجية للمحافظة على هويتنا، بل هو استثمار ضروري في مستقبلنا وسبيلنا نحو استقلال إعلامي يحمي ويبرز قيمنا ومبادئنا. على الرغم من الدور الكبير الذي يمكن للحكومات لعبه في هذا المجال، الدعوة موجهة أيضًا للمبادرات الشعبية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لبناء منصاتنا الخاصة التي تعبر عن صوتنا بصفاء، بعيداً عن تشويه وتحريف السياسات الخارجية. لنحمي قصصنا، ونتمسك بحقنا في تحديد كيفية تقديمنا للعالم، لضمان أن نحن من نكتب تاريخنا، ونحن من نروي قصصنا، بلا تدخلات أو تحريف.

خبير تقني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .