العدد 5418
الثلاثاء 15 أغسطس 2023
الذكاء الاصطناعي ودوره في الأداء المؤسسي وبناء الخطط الاستراتيجية
الثلاثاء 15 أغسطس 2023

تتزايد أهمية الذكاء الاصطناعي (AI)  في مجالات عديدة وقطاعات متنوعة. وذلك لما له من قدرة هائلة في عمليات التحليل والتنبؤ والتصنيف. وتحظى هذه التقنية بانتشار كبير وجهود لاستثمار إمكانياتها في تطوير الأداء المؤسسي وتحقيق الخطط الاستراتيجية، فضلاً عن توقع المبادرات المستقبلية.
وعلى الرغم من التقدم الذي تحقق في هذا المجال، الا ان الدور الفعال للذكاء الاصطناعي في بناء الخطط الاستراتيجية للمؤسسات مازال يتطلب المزيد من التفعيل. ذلك يعود إلى صعوبة الوثوق بالآلة في مضاهاة ما يدور في ذهن القادة والرؤساء من خطط مستقبلية تتناسب مع توجهات معينة، وخاصةً في ظل غياب البيانات اللازمة لتلك التنبؤات.
إن الدخول العشوائي في دائرة "مستخدمي الذكاء الاصطناعي" لبعض المؤسسات - وخصوصا في مجال بناء الخطة الاستراتيجية او الأداء المؤسسي - وبدون فهم واضح للنتائج او تقييم صحيح للافتراضيات أو تتبع مصادر المعلومات سوف تكون له تبعيات كبيرة وقد يقود المؤسسات الى جهد كبير في تنفيذ مبادرات لا تتطابق مع الرؤية أو لا تتناسب مع العوامل المحيطة بالمؤسسة. لذا فإنه من المهم أن يفهم الخبير الاستراتيجي الأدوات المستخدمة والافتراضيات المبنية على النتائج والعوامل المؤثرة في التنبؤ.
لذا فان تقنيات الذكاء الاصطناعي تلعب دورًا حيويًا في بناء مكونات الخطة الاستراتيجية إلى جانب دعم القادة في اتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة، من خلال تحليل البيانات وتقديم رؤى معقدة والتنبؤ بالمبادرات المستقبلية وتحديد المخاطر المحتملة. لهذا السبب، يظهر دور التثقيف المؤسسي كمهمة أساسية لإستشعار إمكانية استثمار وتفعيل هذه التقنية بفاعلية ووعي، بهدف تعزيز الإنتاجية وبناء الخطط الاستراتيجية بفاعلية وحذر.
وتأتي أنماط الذكاء الاصطناعي المتنوعة في مجال الأداء المؤسسي لتلعب دوراً فاعلاً، أولها يكمن في التحليلات البسيطة وهو الذكاء الوصفي (Descriptive Intelligence). ويستند في التحليل المعتمد على المعلومات المتوفرة في بيئة العمل لفهم الوضع الحالي وتحديد المناطق التي تحتاج إلى تحسين. كأن يتم تحليل المعطيات المتاحة من تقارير أداء الموظفين لتحديد أنماط الأداء، وتحليل العوامل التي تؤثر في أداء معين، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
اما النمط الثاني فيتمثل في الذكاء التشخيصي (Diagnostic Intelligence)، وهو القدرة على مراجعة البيانات والمعلومات التاريخية للشركة وفهم عوامل النجاح وزيادة الإنتاجية، ودراسة العوامل المؤثرة في الشركة. وبالتالي سهل الذكاء التشخيصي الكثير من الأمور عند معرفة القياديين وأصحاب القرارات وماهي الجذور العميقة للتحديات والعوامل المؤثرة في الأداء. حيث يمكن تحليل البيانات التاريخية لفهم سبب تراجع أداء فريق معين في قطاع معين، وتحديد أسباب الانخفاض في الأداء مثل نقص المهارات، ضعف التوجيه، أو انعدام التحفيز، مما يساعد على اتخاذ إجراءات تصحيحية.
والنمط الثالث فهو الذكاء التنبؤي (Predictive Intelligence). ويعتمد هذا النوع على خوارزميات تستخدم في التخطيط الاستراتيجي للتنبؤ بما سوف يحدث في المستقبل بناءا على تجارب سابقة وفقا للعوامل الخارجية. فبالتالي يعطي دقة لمعرفة القيم المستقبلية والخطط المتوقعة بدلا من الاعتماد على التحليل والحدس البشري. كأن يتم تحليل البيانات للتنبؤ بمستوى الرضا او استقالات الموظفين، مما يساعد في اتخاذ تدابير مبكرة لتحسين تجربة الموظفين والحفاظ على الكفاءات.
وهذه الانماط تكمل بعضها في عالم الذكاء الاصطناعي والأداء المؤسسي، كما ان الاستعانة بها يوفر الكثير من الوقت والجهد.  فعند وجود مشكلة في الأداء في قطاع معين يستغرق الأمر وقت يصل الى أشهر وجهد من أكثر من محلل من محللي الأداء لمعرفة السبب وإعطاء الحلول والتي قد تتدخل فيها العاطفة البشرية. اما باستخدام أدوات "الذكاء التشخيصي" بالإمكان حل مشكلة "انخفاض مستوى الأداء" الذي قد يكون سببه "نقص الموارد" في قطاع معين وذلك حسب التنبؤ "الذكاء التنبؤي" باستخدام (Learning Techniques) والاستفادة من بيانات تاريخ المؤسسة والعوامل المحيطة، وذلك خلال فترة قصيرة قد تتراوح بين ثواني او ساعات قليلة.  
انتشار استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الأداء المؤسسي سوف يؤثر على نوعية الوظائف التي سوف تحتاجها المؤسسات في الأداء المؤسسي أو استبدال بعض الوظائف بوظائف أكثر ملاءمة. كأهمية وجود محلل للفرضيات أو خبير خوارزميات أو عالم ذكاء اصطناعي وغيرها من الوظائف المهمة مع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومن جانب آخر أهمية تدريب موظفي الأداء المؤسسي على فهم فرضيات نماذج الذكاء الاصطناعي وتتبع المصادر المبنية على التنبؤ، كأن يعي موظف الأداء المؤسسي أن التنبؤ بقرار مبادرة جديدة مثلا تخص "القدرات الوظيفية وربط الوظائف بالقدرات"، مبني على خوارزمية متعلمة من البيانات الخاصة "بقدرات الموظفين في المؤسسة ومقارنتها بالقدرات المطلوبة للوظيفة" وأن النموذج قام بتقييم الوضع الحالي وتأثيره على الإنتاجية فتنبأ بأهمية هذه المبادرة. فهذا الامر يسهل على محللي الأداء والقادة الوثوق وفهم هذه التنبؤات والخطط المستقبلية.  
خلال السنوات القادمة ومع الاستخدام السليم والواعي سيصبح الذكاء الاصطناعي بأنماطه المختلفة أداة قوية تساعد المؤسسات في بناء وأتمتة الخطط الاستراتيجية، والتنبؤ بعوامل النجاح والتميز، واستكشاف الفرص المستقبلية بما يرتقي برفع إنتاجية المؤسسة وربحيتها.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية