كان جاري يتحدث بلغة أحرقتها النار والأسى، وكأن الهزائم تتوالى عليه، لا يسع المرء إلا أن يرتعد عندما يشاهده بهذا المنظر، اقتربت منه وسألته “عسى ما شر”، قال بسرعة الوباء المهلك.. “خدامتنا شردت”، علما أن هذه الخادمة كانت تهتم بوالدته المريضة والطاعنة في السن، ولم يكن لها نشاط مشبوه وحكايات، نراها فقط عندما تخرج لرمي المهملات، وأكثر ما جعل الجار صامتا ثابتا في مكانه هو أنها تركت كل حاجاتها في المنزل وهربت. 
بكل تأكيد اعتدنا على هذه المشكلة التي تشبه الحفرة المعتمة، وكل يوم نسمع عن هروب خدم المنازل، وقصص غامضة. هناك من يشتكي من غياب الإجراءات الرادعة، وفريق آخر من المواطنين يشير إلى وجود عصابات متخصصة وراء هروب العاملات، وفي شهر مايو الماضي قالت وزارة الداخلية بخصوص الاقتراح النيابي برغبة بشأن قيام الحكومة باتخاذ الإجراءات السريعة للحد من ظاهرة هروب العمالة الأجنبية وخدم المنازل، إن هروب الخدم لا يشكل جريمة جنائية، حيث وصفه قانون تنظيم سوق العمل رقم 14 لسنة 2006 بحالة ترك العمل.
وبعض النواب خرجوا كالمعالجين المهرة وعمالقة البحار وتقدموا باقتراحات للتصدي لهذه الظاهرة، ولا نعلم متى ستظهر هذه الاقتراحات إلى النور بألوانها المتوهجة، لكن الذي نعلمه بكل لغة وثقافة أن مشكلة هروب الخدم في البحرين أصبحت ظاهرة منتشرة ومخيفة مكتملة الجوانب، وقد أميل إلى الرأي الأول المتمثل في غياب الإجراءات الرادعة، فإذا كانت المشكلة مازالت تتنفس وهي مستلقية يقظة فهذا يعني أنها تسير لاهثة ويدور حولها صغارها.
يقال إن القدر يختار أفرادا معينين من بين الآخرين جميعا، ويميزهم بموهبة الاستبصار، ويبدو أن القدر اختار لنا هذه المشكلة العويصة الخارجة عن حدود السيطرة والإدراك.
كاتب بحريني