تفاقمت على نحو مريع مآسي الهجرات غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط بقوارب الموت خلال العقد الماضي، ووصلت ذروتها أوائل العقد الجاري، حيث لا يكاد يمضي شهر دون بث نبأ بغرق قارب يحمل عشرات المهاجرين قبل وصوله إلى مرساه على واحدة من الضفاف الأُوروبية، لكن القارب الذي غرق مؤخراً قبالة السواحل اليونانية والمحمّل بنحو 750 مهاجراً من جنسيات متعددة، من بينها مصر وسوريا وباكستان، يُعد الأكثر مأساوية في سلسلة كوارث قوارب المهاجرين عبر المتوسط، فبينما تأكد أن 80 راكباً لقوا حتفهم، مازال مصير 500 راكب مجهولا!
وظلت قضية كيفية التعامل مع ركاب القوارب التي نجحت في الوصول إلى البر الأوروبي مسألة خلافية بين دول الاتحاد الأوروبي من 2015، وفي العام الماضي نجح 160 ألفاً في عبور بحر الموت، فيما لقي 2500 مصرعهم غرقاً، هذا في الوقت الذي تتشدد فيه الأحزاب اليمينية والشعبوية في دول الاتحاد ودولتي بولندا والمجر ضد أية التفاتة إنسانية واقعية تجاه مشكلة طالبي اللجوء، سيما الفارين منهم من منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ورغم اتفاق وزراء داخلية دول الاتحاد في أوائل الشهر الجاري على تقاسم المسؤولية في تحمل تبعات المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين، إلا أن الحلول إذا ما نجحت تبدو ترقيعية لا تتعامل مع جذور المشكلة، وهي جذور تاريخية ومعاصرة، والتي تكفل منع الهجرة غير الشرعية برمتها، بدءاً على الأقل من التعامل الإنساني مع ركاب قوارب الموت وهي في البحر قبل وقوع كوارثها، ومن ثم تفادي تكرار هذه المآسي اللاإنسانية أمام مرأى ومسمع العالم عشرات المرات المتتالية، فما الذي يحمل المهاجرين على الإصرار على الهجرة بهذه الطريقة غير الشرعية المحفوفة بالمخاطر الجمة؟ هذا رغم علمهم المسبق بتلك المخاطر، وبما جرى لمئات الآلاف ممن سبقوهم، سواء بالموت غرقاً، أو بإهدار كرامتهم الإنسانية أمام معابر الحدود، إذا ما نجحوا في العبور، وذلك بإبقائهم في مخيمات في ظروف مناخية سيئة تفتقد أبسط شروط المعيشة الإنسانية لفترات طويلة، ولعل قلة منهم هي من تفلح بوسائل شتى بالحصول على تصريح للدخول إلى داخل بضع دول فقط.
ولما كانت دول الاتحاد الأوروبي ذات النفوذ الأقوى داخله هي نفسها الدول الاستعمارية التي تتحمل دوراً محورياً في إفقار الدول الشرق الأوسطية والأفريقية والآسيوية، سواء من خلال فترة وجودها الكولونيالي، أو من خلال مواصلة استغلال ثرواتها في أعقاب حصولها على استقلالها فيما ما عُرف لاحقاً بالاستعمار الاقتصادي الجديد، فهي تتحمل بالتالي مسؤولية تاريخية أخلاقية في مساعدة شعوب هذه البلدان على الاستقرار الداخلي والتنمية المستدامة المستقلة لا المرتهنة لمصالح تلك الدول الأُوروبية بمواصلة نهب ثرواتها، عدا عن تحمل مسؤوليتها في التسبب في الحروب الإقليمية والصراعات الداخلية على خلفية سياساتها المتبعة لتأمين مصالحها ذاتها. لكن للأسف دول الاتحاد هذه ما فتئت تناور حول اتباع الحلول الجذرية وتتعامل مع النتائج، من خلال تحميل البلدان التي فر منها المهاجرون المسؤولية طوراً، أو تحميل من تسميهم بالعصابات الإجرامية (أصحاب القوارب الذين غرروا بالمهاجرين) تارة أخرى، وهذه كلها نتائج وليست جذور المشكلة القائمة، خصوصاً في ظل صمت ولا مبالاة الدول أيضاً التي ينتمي إليها المهاجرون.
كاتب بحريني