العدد 5193
الإثنين 02 يناير 2023
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
لقد كانوا بشرًا
الإثنين 02 يناير 2023

حتى العظيم ينتابه الضعف عندما يقسو عليه الزمن وقد يضعف أمام الحياة. قد تجده عظيما وملهمًا في التنظير على ورق الكتابة ولكنه يظل بشرا يعاني الضعف البشري عندما يواجه قهر وحش القدر أو تمساح الحياة. هكذا هم الفلاسفة وعظماء التاريخ وكبار الأدباء والفلاسفة. وقد ينحدر بين الغضب والمتعة والألم، يظهر ضعفه أمام تجارب الحياة. الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز صاحب رائعة رواية “الفيرتويست” كان قاسيًا على زوجته في قبال محراب غرامه، مقدسًا فتاة صغيرة؛ فقد بلغت قسوته بجرح قلب زوجته، عندما أرسل متعمدا لزوجته هدية باسم حبيبته قاصدًا جرحها. أما الأديب الايرلندي أوسكار وايلد، والذي نقش أجمل المعاني العاطفية، ظل بعيدا عن زوجته وأطفاله بمغامرات غرامية بين شوارع لندن وباريس لاهثًا وراء متعته. أما جان جاك روسو الذي كتب عن التربية، ترك أولاده في ملجأ، وفر هاربا على رواية، وهناك رواية تقول إنه مات عازبا. أما الأديب الأميركي همنجواي الذي كتب رواية “العجوز والبحر“ في نسق جميل لأهمية صبر وتحدي الحياة إلا أنه ضاق ذرعا من الحياة، ونسي روايته العظيمة التي تحث على التفاؤل حيث أقدم على قتل نفسه ببندقية بعد معاناة مرض الاكتئاب، وقد اتهم أنه وراء موت حبيبته المتزوجة من ارستقراطي إيطالي. أما الفيلسوف الكبير بيرتراند راسل نظَّر للزواج فلسفيا إلا أنه فشل في كل علاقاته الزوجية المتكررة، فكل علاقاته فاشلة، حيث تزوج أكثر من 3 مرات وكلها باءت بالفشل. أما الفيلسوف الألماني نيتشه صاحب كتب تحريض العقل على النقد تبخر عقله، وهو يهوي على ذراع امراة لعوب ”سالومي” طالبا الزواج منها في وجع عشقي قاتل، وقد رفضته، وانتهى به المطاف مريضا في مصحة نفسية. ومات فان جوغ منتحرا وكان يقطع أجزاء من لوحاته ويأكلها بسبب ضياع الحب والصرع والألم النفسي. أما الموسيقار تشايكوفسكي ترك الحياة منتحرًا بسبب الحب وخوف الفضيحة حيث مات وحيدًا. وكذلك الأمر بالنسبة للكاتبة الإنجليزية فرجينا وولف وكثير منهم أنهوا علاقتهم بالحياة وفقدوا قدرة التواصل مع الحياة بسبب الضعف البشري وعدم القدرة على المواجهة. ويبقى السؤال أمام مفارقات الحياة، كيف وقع الشاعر محمود درويش في حب إسرائيلية، ودايل كارنيجي أبو الإيجابية سقط في بئر الاكتئاب والممثل الكوميدي روبن وليامز، والذي صنع الابتسامة على وجوه الملايين بأفلامه ومسلسلاته مات منتحرا في شقته. أما الكاتب الفرنسي بلزاك والذي عرف بغزارة الإنتاج، والذي ألف عشرات الكتب وقع ضحية نصب فتاة باسم الحب استولت على فيلته، فلة العمر في باريس ومات والحسرة في قلبه. أما الفيلسوف البيركامو كتب عن الحب كثيرا ومات بلا حبيبة بعد أن تنوعه بعلاقات عابرة، أما جبران خليل جبران، الذي كان قلبه مليئًا بالحب اكتفى بحب مع الكاتبة مي زيادة دون رؤيتها، مكتفيًا بالرسائل الغرامية دون حتى لقاء عابر، وهو الذي قال: عليك ألا تقبل بنصف حبيب. فعلا لقد كانوا بشرًا مهما بدوا أمامنا أقوياء. لا مبرر للانتحار أو الاستسلام أو الضعف أمام اللذة والألم، فالحياة مليئة بالجمال مهما قست بسكينها أو أمعنت في كسر القلوب. هذه عينة من عظماء التاريخ وللحديث بقية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية