لست هنا في موقع أن أصنع حالة وردية، وأنا أحلل بمنطق فلسفي أو معرفي لأي أمر وجودي أو ملف عالق على سطح بحر قضية، فكثير من الأوجاع مشروعة في النقد، لكن ما يهمني طيلة مسيرتي المعرفية ألا يجنح أحد في نسف التوازنات أو الثوابت الوطنية كما حدث في حريق الاضطرابات التي اشتعلت نيرانها في العالم العربي في 2011. ما حدث في ليبيا وسوريا والعراق واليمن عبارة عن درس تاريخي بأن الحفاظ على المرتكزات الوطنية وهيبة الدولة ومؤسساتها ودستورها والحُكم هي ثوابت يجب المحافظة عليها بمنطق العقل والوطنية والحكمة. فيجب أن نعلم شبابنا أن لا ينجر إلى شرب السم إغواءً أو اشتهاءً أو غيلةً أو خديعةً من الوجبات الدسمة التي توزعها عليه بعض الدول الغربية من إثارات باسم “الديمقراطية“ أو “الحقوق“ المحشوة في سندويشات الإعلام التي يوزعها الغرب لصناعة فتن لا تقود إلا المحارق وتمزق الأمن واحتضان البحار لقوارب الموت طلبًا للجوء لـ ”جنة الغرب”.
لا أؤمن بالحرب الروسية الأوكرانية، فالمستفيد الوحيد هي أميركا ومنها بيع الطاقة والغاز حيث راحت تبيع الطاقة والغاز بأضعاف مضاعفة على الغرب بطريقة مكيافيلية جشعة كما كان نقد الرئيس الفرنسي ماكرون لهذا الاستغلال. واليوم العالم كله متوجع ويدفع الثمن اقتصادًا وبشرًا وأمنًا. لندن تتحسس وجعها المادي والتضخم الذي أصبح كغول، وفرنسا خائفة من تمساح قاسٍ اسمه الشتاء، وألمانيا تلملم بعض الخوف على لملمة طاقة من هنا وهناك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهي تربت على الشركات المرتعدة من خوف الإغلاق والإفلاس.
روسيا أخطأت وهي تقع في فخ الحرب، كما أن أوكرانيا أخطأت في الاستفزاز الحدودي قبل الحرب منذ البداية، ورغم ذلك الحرب كانت خطأ إستراتيجيًا أقرب لفخ ابتلعه الجميع كشفرات حلاقة وسكاكين ستبالغ في النزف. وها نحن نشهد الدب الروسي جريحًا، وأوكرانيا مستنزفة، والعالم يده على قلبه خوف الانفلات من قدح الزناد لحرب نووية. السؤال: كيف ينحدر العالم إلى هذا الجنون والانحدار الأخلاقي، وفي التاريخ الحضاري عظماء طالما دقوا الأجراس تحذيرًا من الحروب في الغرب؟ فلا روسيا استفادت من نصائح الأديب الروسي العظيم تولستوي من رائعته “الحرب والسلم” محذرًا، ولا من حِكم دوستويفسكي من رواياته الجريمة العقاب أو السقوط في شباك “الإخوة الأعداء” من رائعته “كرامازوف“ ولا أفكار تشيخوف ولا الغرب أخذ دروسًا من جون لوك في نصائح الفكر السياسي أو فولتير في كتاب “رسالة في التسامح “ أو وعي نيتشه في “هكذا تحدث زرادشت” أو غيرهم من فائض أفكار حكيمة من روسو أو بلزاك أو ديكارت أو دريدا أو راسل. عالم ينحدر للجنون، فلم تعقلنه كل حكم الفلاسفة والمفكرين، وإن تقدمه في المدنية والتكنولوجيا لم يغير ضميره ولا حماقاته المتكررة، وقديمًا قال الكندي “كل علم ينتج مبدعيه إلا علم السياسة ينتج وحوشًا”. ونحن نرى الحريق الأوروبي يجب أن نحافظ على الخليج. لا نقول إن دول الخليج تعيش وضعًا ملائكيًا، ولكن الخليج يعد من أفضل الدول توازنًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا، لذلك علينا أن نحافظ على دولنا بمنطق وطني قائم على الولاء وحفظ المرتكزات وعبر الدساتير والأطر القانونية. علينا أن نغرس أشجار تنمية، فغرس الأشجار يكون بدعم المشروعات، والعمل الإيجابي والنظرة التفاؤلية والمشاركة عبر كل الوسائل القانونية التي تقوي الوطن. لكل ذلك، مازلت مقتنعًا بفصل الدين عن السياسة وانظروا ما حدث للعراق من الإسلامويين من كل الأطراف الذين بشروا بجنتهم الخاصة حيث “ينقضّون على المال العام بشراهة القراصنة” ولكم في سرقة القرن الأخير في العراق 2.5 مليار دولار خير دليل. ولا عليكم من كل تزيين الشعارات المؤدلجة الذي أفرغها القرضاوي أو الغنوشي أو المالكي أو غيرهم في كل هذه الدول، وأنتم تشهدون كيف انحدرت نحو الفوضى، فلا أتعس من السجن الفكري أو السجن الديني عندما يتم تزيينه. يقول جون شتاينبك “عندما يوضع الإنسان في قفصٍ فإنه يتخبط في البداية، ثم يبدأ بتزيين قفصه”. بحرينيًا نحن أمام حكومة جديدة بدماء شابة بقيادة سمو ولي العهد رئيس الوزراء الرجل الاستثنائي في الزمن الاستثنائي، يحمل رؤى تطلعية لقيادة تحمل توجيهات جلالة الملك الذي نذر نفسه للبحرين مملكة تغيير وازدهار، وطموح سمو ولي عهد يكدس الطموح والفرص لصناعة تغيير، يستشرف إليه بعين الأمل، كل مواطن بحريني؛ وهنا يأتي دورنا كمواطنين وككتاب ومنشغلين في الثقافة والفلسفة والإنثربولوجيا والصحافة وتوكنوقراط أن نسعى جميعًا بالمؤازرة والدعم بكل ما أوتينا من قوة كل في مجاله في دعم سموه لصنع التغيير وكتابة الحلم مترجمًا مشروعات نهضة.