+A
A-

المخرج صلاح أبو سيف... واقعية لا تقف عند السطح

للمخرج المصري الكبير الراحل صلاح ابوسيف هم إبداعي اجتهد كثيراً للتعبير عنه من خلال فنه، هموم فكرية واجتماعية ووطنية وإنسانية، فذات يوم قال عن نفسه: "أعتقد مجموع أفلامي سواء المأخوذ منها عن روايات لأدباء معروفين أو المكتوبة خصيصاً للسينما تحارب الفقر، حوالي 41 فيلماً، منها عشرون مأخوذة عن أعمال أدبية لنجيب محفوظ، والسباعي، ويوسف إدريس، او مكتوبة خصيصاً عن أحداث خاصة، أو شخصيات لعبت دوراً كبيراً في تاريخنا... هذا الفقر مازلت أعتبره أهم أعظم مشاكلنا والذي لو استطعنا مواجهته لتحولت حياتها إلى الأفضل".

لقد خصصت الأسبوع الماضي لمشاهدة عدد من أفلام المخرج صلاح أبو سيف، منها "السقا مات"، "المواطن مصري"، "حمام الملاطيلي"،"البداية" ، "القاهرة 30"، وكلها أفلام برع فيها أبو سيف إلى حد كبير في تحقيق تصور واقعي للفيلم المصري، وزيادة هذا الاتجاه وتأصيل الفكر السينمائي، والواقعية في أعماله لا تتوقف عند حدود السطح بل تتحول إلى تصور اجتماعي ينقل حياة جماهير البسطاء الكادحين في الأزقة والحواري والقرى.

إن صلاح أبو سيف بإنتاجه الفني الزاخر قد حقق الكثير للسينما المصرية والعربية، حتى صار أسلوبه في الإخراج سمة بارزة ومعلماً أساسياً من معالمها تضعه في مكان الصدارة في تاريخ السينما المصرية والعربية.

في فيلم "القاهرة 30" والمأخوذ عن قصة نجيب محفوظ ومن بطولة سعاد حسني، وأحمد مظهر وحمدي أحمد وغيرهم، والذي نال عنه الجائزة الأولى في الإخراج والسيناريو من الجامعة العربية، قد أبرز خصائص أسلوبه في صورة رائعة، سواء في الرؤية الفنية أو الاجتماعية وهو يعد عملاً ممتازاً وقف على قمة الإنتاج السينمائي في تلك الفترة أي العام 1966.

ما يميز فيلم "القاهرة 30" طبيعة الإيقاع العام الذي يسيطر على أجزائه المختلفة، إيقاع سريع، متدفق لاهث، والصراع الخارجي الذي نجده بين الناس على اختلاف مقاماتهم، من البنت الفقيرة إحسان، والشاب علي طه صاحب التوجهات الاشتراكية، وصديقه عبدالدايم، ثم الصراع الداخلي بين الناس أنفسهم، إنما يشتد ويقوى مع كل حركة نامية من الخط الدرامي. إن كل شيء في هذا الفيلم يترك انطباعاً عميقاً بتقلصه وتوتره، هناك أمواج تتلاطم وتتكسر، وناس يتدافعون للوصول والتسلق والخيانة والمؤامرة.

أما في فيلم "السقا مات" والمأخوذ عن قصة يوسف السباعي، سيناريو وحوار محسن زايد وتمثيل فريد شوقي، عزت العلايلي، أمينة رزق، شويكار، ناهد جبر، والذي يعد من أهم وأقوى أفلام أبو سيف على الإطلاق، فيدخل المشاهد منذ أول عشر دقائق في جو غائم حزين مشحون بإحساس غريب، فالبطل "السقا" يتدحرج بين مفاهيم فلسفية تتعلق بالموت والحياة، وهذا الارتباط يعكس أزمة الطبقة المسحوقة التي تقاتل يومياً من أجل لقمة العيش وسط ظروف لا ترحم. وهنا عبر أبو سيف عن موضوع الفيلم بلغة سينمائية فذة من خلال الإيقاع التراجيدي المذهل وبشكل مشوق وممتع.

مع أفلام صلاح أبو سيف حتماً ستشعر بنشوة عجيبة غامضة، فهو مخرج عملاق مجنون يفتش عن عقله الضائع تحت تربة الإبداع.