24 حالة وفاة في 10 سنوات.. وإصابة واحدة بين كل ألف شخص في البحرين
الاختصاصي محمد الريس: ممارسة الرياضة بريئة من الموت المفاجئ للرياضيين
توفير جهاز مضاد الرجفان بقدر الإمكان بكل الأماكن والساحات
إجراء الفحوصات الدورية والاختبارات قبل ممارسة الرياضة
الرياضة تخفض معدلات الوفيات المرتبطة بأمراض القلب 35 %
النفس القصير وصعوبة التنفس وسرعة نبضات القلب تستوجب زيارة الطبيب
فوائد ممارسة الرياضة لصحة القلب كبيرة والتوعية لا تعني التخويف
قبل صافرة النهاية يباغت الموت لاعب كرة قدم كان في أوج نشاطه على المستطيل الأخضر، وفي مشاهد أخرى يسقط لاعبون جثثا هامدة أمام رفاقهم دون أن يتمكنوا من إنقاذهم، تثير مشاهد موت الرياضين المفاجئة تساؤلات حول أسباب موتهم بلا سابق إنذار، وباتت الرياضة تشكل مصدر قلق لممارسيها.
وفي هذا الموضوع يقول اختصاصي العلاج الطبيعي وتأهيل الإصابات الرياضية محمد الريس أن الرياضة ليست هي السبب الرئيس لموت الرياضيين المفاجئ، وأن نسبة الموت المفاجئ عند البحريين قليلة جدا وحسب إحصائية محلية بما لا يتجاوز 0.00159 %، مؤكدا أن استخدام جهاز مضاد الرجفان القلبي في هذه الإصابات المفاجئة قد يزيد من نسبة النجاة بنسبة تصل إلى 90 %، جاء ذلك في محاضرة قدمها الريس لمركز شباب جدحفص.
الرياضة المنتظمة
وأكد الريس أن ممارسة الرياضة ليست هي السبب الرئيس لموت الرياضيين المفاجئ وأنها تكون خطرا في حال الرياضة عالية الشدة في حال مارسها الشخص الذي يحمل عوارض خطر، حيث إن الكثير من الدراسات تؤكد أن هناك علاقة إيجابية بين ممارسة الرياضة بشكل منتظم وبين صحة القلب، وبحسب العديد من الدراسات وُجد أنها تقلل من معدلات أمراض القلب بنسبة 33 % كما أن ممارسة الرياضة والنشاط البدني بشكل منتظم من الممكن أن تؤدي إلى انخفاض معدلات الوفيات المرتبطة بأمراض القلب بمعدل يصل إلى 35 %.
وأوضح أن من فوائد النشاط البدني والرياضة المنتظمة تقوية عضلة القلب، والوقاية من نزلات البرد، وتحسين مستويات الكولسترول، وتقليل ضغط الدم، فضلا عن تقليل نسبة السكر في الدم، وتقليل آلام الظهر والمفاصل، وتحسين جودة الحياة وتحسين الصحة النفسية والمزاج، وتحسين القدرات الدماغية وقابليات التعلم وتعزيز الثقة في النفس، وتعزيز الجهاز المناعي، والوقاية من الجلطات الدماغية، وإطالة معدل العمر، وتقوية العظام والعضلات.
الأسباب
وأضاف “قسمت الأسباب الرئيسة المؤدية لحالات الموت المفاجئ عند الرياضيين إلى صنفين رئيسيين، أولهما الحالات التي ليس لها علاقة بعضلة القلب وأمراض القلب، وهي النسبة الأقل، ومنها الإصابات الخارجية والضربات المباشرة التي تصيب الصدر والرأس والتي تأتي في التوقيت الخطأ في المكان الخطأ مما يؤدي إلى توقف القلب أحيانا، وهي حالات نادرة.
وزاد أن تناول الأدوية والمنشطات والهرمونات لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه المشكلة، فضلا عن الحرارة والجفاف الشديدين وممارسة الرياضة في الأجواء التي تسبب جفاف الجسم ونقص في السوائل مما يؤثر على كهربية القلب.
أما الصنف الثاني من أسباب الموت المفاجئ لدى الرياضيين، فهي الحالات الأعلى وهي الحالات المرتبطة بأمراض عضلة القلب وبحسب الدراسات، فإن الفئات العمرية التي تقل عن 35 سنة، تكون مشكلة تضخم عضلة القلب هي السبب الرئيس للموت المفاجئ بنسبة تزيد عن 35 %. أما في الفئات العمرية التي تزيد أعمارهم عن 35 سنة وُجد أن 80 % من الحالات المرتبطة بالموت المفاجئ عند الرياضيين سببها أمراض الشرايين وأمراض الشرايين التاجية، والتي تعود إلى ارتفاع الكولسترول في الدم والتدخين وقلة النشاط البدني وارتفاع ضغط الدم.
عوامل الخطر
وذكر أن الدراسات وجدت أن عوامل الخطر المؤدية إلى الموت المفاجئ عند الرياضيين تزيد عند أربع فئات، فحسب تصنيف الجنس وجدت الدراسات أن الذكور أكثر عرضة للتعرض لحالات الموت المفاجئ عند الرياضيين مقارنة بالإناث بمعدلات تزيد عن 9 مرات. أما الفئة الثانية، فقد وجدت معدلات الموت المفاجئ عند الرياضيين تزيد بحسب العرق، فقد ترتفع عند الأمريكان من أصول إفريقية بمعدل يزيد على 5 مرات. أما العامل الثالث، فقد وجد أن الجهد البدني عندما لا يتم بالشروط الصحيحة والكيفية السليمة يؤدي إلى زيادة فرصة التعرض لحالات الموت المفاجئ عند الرياضيين بمعدل يزيد عن 4 مرات.
وأكد أن السبب الأبرز والعامل الأكبر لموت الرياضيين المفاجئ هو المرتبط بالعوامل الجينية والوراثية بنسبة تصل إلى 75 %.
الإحصاءات
وأشار الريس إلى أن هناك الكثير من الدراسات الأجنبية التي وثقت حالات الموت المفاجئ للرياضيين وكلها تعطي نسبا مختلفة، حيث يختلف العدد باختلاف حجم الدول الذي يؤثر في احتساب المعدلات، مفيدا بأن معدلات الإصابة بالموت المفاجئ المرتبط بممارسة الرياضة تعتبر منخفضة جدا محليا وعالميا ووجد في الإحصاءات خلاف كبير في الأعداد المسجلة في الدراسات العلمية، وبحسب إحدى دراسات العام 2016، فإن المعدل العالمي لهذه الحالات يقارب الحالة الواحدة بين 100 ألف شخص، وهو عدد قليل نسبيا إلا أنه معدل مميت في الوقت ذاته.
دراسة محلية
وأضاف أن في مملكة البحرين بالرغم من قلة الإحصاءات والتقارير الرسمية، هناك دراسة واحدة أجريت بتضافر جهود من قبل وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم ووزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني وعدة جهات أخرى انتدبت مجموعة من الباحثين تحت إشراف اللجنة البحرينية الأولمبية، وتم استعراض التقرير في أحد المؤتمرات المحلية ولم ينشر بشكل رسمي، إذ وثق الحالات التي تم رصدها من الفترة من العام 2009 إلى العام 2019 وسجلت فيه 24 حالة، وتبين ان معدلات موت المفاجئ للرياضيين يعتبر قليلا جدا بما يعادل 0.00159 %.
توصيات
وذكر الريس أن هناك خلافات كبيرة بين مؤسسات علمية ضخمة مثل جمعية القلب الأمريكية والكلية الأمريكية للطب الرياضي والاتحاد الدولي (الفيفا)، حيث تنصح كل جهة بتوصيات مختلفة، في حين يرى بعضها الفحص الطبي غير إلزامي، منها الفحوصات التخصصية للقلب، ترى جهات أخرى إلزامية الفحص للاعبين.
وأوضح أن أغلب التوصيات اتفقت على إجراء الحد الأدنى من الفحوصات المرتبطة بالتاريخ المرضي العائلي؛ لقياس مدى خطر التعرض المفاجئ للموت بناء على هذه التفاصيل يتم تحديد السماح لممارسة الرياضة التنافسية أو التوقف عنها، مردفا أن هذه الفحوصات رغم دقتها تعطي نتائج مغلوطة في بعض الأحيان.
العلامات الحمراء
وعلى صلة، بين الريس أن 80 % من حالات الموت المفاجئ للرياضيين لم يعانوا من أي علامات مسبقة، حيث تكون حالتهم الصحية سليمة، إلا أن عددا قليلا منهم قد يكتشف من هذه العلامات إضافة إلى أخذ التاريخ العائلي وفحوصات القلب المتقدمة ولفت إلى أنه يجب التوقف عن الرياضة ومراجعة الطبيب في حالات ملاحظة إحدى علامات الخطر أثناء ممارسة الرياضة كالتعرض للإغماء والتعرض إلى النوبات التشنجية وإن كان لمرة واحدة فقط.
وأضاف من علامات الخطر التي تستوجب مراجعة الطبيب هي النفس القصير أثناء ممارسة الرياضة مقارنة بالآخرين، فضلا عن صعوبة التنفس وارتفاع وسرعة نبضات القلب، كما أن هناك علامات خطر أخرى منها الدوخة أثناء ممارسة الرياضة وآلام الصدر التي تمتد إلى الكتف الأيسر أو الفك العلوي، كما أن التعب الشديد جدا من العلامات التي يجب الانتباه لها وإجراء الفحوصات؛ للتعرف على قابلية الشخص للتعرض لمثل هذه الإصابة.
الوقاية
وفي ذات الاتجاه، أكد الريس أنه يمكن التقليل بنسبة معينة من حالات التعرض للموت عند ممارسة الرياضة، وتكون الوقاية من هذه الحالات باتباع نمط الحياة الصحية، حيث من المهم المحافظة على القلب من خلال تقليل نسبة التدخين والتقليل من معدلات السمنة والتقليل من معدلات مرض السكري وارتفاع الكولسترول والدهون الضار، واعتبرها القواعد الأساسية لصحة القلب.
وأردف أن هناك بعض الخطوات المهمة للوقاية والتقليل من معدلات الإصابة من الموت المفاجئ عند الرياضيين، ومنها الوقاية الأولية التي تتناول منع حدوث الإصابة عن طريق إجراء البرامج الفحصية والاختبارات من قبل ممارسة الرياضة، ودراسة التاريخ العائلي للشخص وتقييم عوامل الخطر والتعرف على العوامل الوراثية والإجهاد البدني.
وأضاف أن الفحوصات والكشف الدوري المستمر والكشف المبكر من خلال إجراء بعض الفحوصات وأخذ التاريخ المرضي للرياضيين قد يفيد بنسب كبيرة في الكشف المبكر عن الأشخاص الأكثر عرضه للتعرض لحالات الموت المفاجئ، وبالتالي الوقاية وتقليل معدل الموت المفاجئ أثناء ممارسة الرياضة.
وأوضح أن التاريخ العائلي مهم جدا، فقد وجد أن الأشخاص الذين يموت أحد أقاربهم خصوصا في عمر مبكر يقل عن 50 سنة، فإنه يتطلب منه أن يقوم بإجراء الفحوصات المرتبطة بالقلب وذلك يعود للعوامل الوراثية.
وأكد أنه بوجود خطه طوارئ محكمة ووجود مختصين متمكنين من الانقاذ والإسعافات الأولية، فإن ذلك يقلل من هذه الحالات، لذلك لابد من وضع خطه الطوارئ في الأماكن التي تمارس فيها الأنشطة الرياضية وخصوصا التي يكثر فيها توافد الناس وكذلك الأشخاص والرياضيين، مؤكد أنه يجب وجود الأشخاص المتخصصين والمهتمين بإجراء الإسعافات الأولية واستخدام الأجهزة المتخصصة في الإنقاذ.
جهاز مضاد الرجفان
وبناء عليه، أفاد الريس أن الوقاية الثانوية من حالات الموت المفاجئ للرياضين تتضمن التعامل الطارئ مع حدث النوبة القلبية وكيفية التعامل معه؛ لمنع تحولها إلى الموت المفاجئ من خلال الإنعاش القلبي الرئوي وجهاز مضاد الرجفان عبر وجود خطة طوارئ محكمة يتم التدرب عليها باستمرار، موضحا أنه يجب التعامل مع الحدث على أنه سكتة قلبية ما لم يثبت غير ذلك وتفعيل خدمات الطوارئ بسرعة قصوى.
ولفت إلى أن توفير جهاز مضاد الرجفان، وهو من الأجهزة المهمة جدا والذي يعمل على إرسال صدمات الكهربائية في عضلة القلب، وحيث وجدت الدراسات العلمية أن استخدام جهاز مضاد الرجفان القلبي والإسعافات الأولية الصحيحة كالإنعاش القلبي الرئوي إذا تمت خلال الدقائق الخمس الأولى، فإنها تزيد من معدل ونسبة النجاة 60 %.
وأورد أن بعض الدراسات أفادت بأن الاستخدام الصحيح والأمثل لجهاز مضاد الرجفان إذا تم خلال الدقيقة الأولى من هذه الحالة، فإن الوفيات تتضاءل بنسبة 90 % عن كل دقيقة بمعدل 7 % عن كل دقيقه تأخير، مشددا على أهمية الإسراع، وهي الطريقة الصحيحة في الوقت الأسرع للإنقاذ.
الوقاية المتقدمة
وأوضح أن الوقاية المتقدمة للرياضيين في حالات النوبات القلبية تشمل الأشخاص الذي حالفهم التوفيق بالعودة إلى الحياة بعد الإصابة بالنوبة القلبية، وهي الخضوع لفحوصات متقدمة أو إجراء عمليات واتخاذ القرار الطبي المناسب حول عودة اللاعب أو توقفه عن ممارسة الرياضة التنافسية.
وأوضح الوقاية تشمل الحماية الرياضية على المدى البعيد في حالة تعرضه إلى إصابة نوبة قلبية أخرى، فلابد أن يكون التشخيص دقيقا للإصابة، وعناية متقدمة للقلب يتم تشخيص الحالة والوقوف على أبرز أسباب الإصابة وأهم طرق العلاج بالرجوع إلى التاريخ العائلي للاعب الرياضي.
تقييم ذاتي
وأشار الريس إلى أن جزءا من رسالة الماجستير في تخصص العلاج الطبيعي بكلية العلوم الصحية والرياضية التابعة لجامعة البحرين. تحت إشراف الدكتور محمد عبدالله عملت على استبانة قياس مخاطر التعرض للموت المفاجئ المرتبطة بممارسة الرياضة والنشاط البدني، وتعتمد الاستبانة على صيغه أسئلة مما يمكن الشخص بتقييم نفسه بنفسه، واستندت الاستبانة على ما خلصت إليه التوصيات العالمية مثل جمعية القلب الأمريكية وغيرها.
وتمت مراجعة الاستبانة من قبل مجموعة كبيرة من الاستشاريين في القلب، واستشاريين في مجال الطب الرياضي والعلاج الطبيعي وفسيولوجيا الجهد البدني، كما تمت مراجعته من قبل 10 متخصصين من العلاج الطبيعي؛ للوصول إلى الصيغة النهائية له.
ومن المؤمل أن تتم متابعة هذه الدراسة بإجراء فحوصات مختبرية وفحوصات القلب وغيرها من الفحوصات بحسب الحاجة في مراحل أخرى من الدراسة؛ باعتبارها الخطوة الأولى التي قد تساعد على الكشف المبكر عن العوامل المرتبطة بخطر الموت المفاجئ أثناء ممارسة الرياضة ومدى تواجدها في المجتمع البحريني، وقد تتبعه مراحل بحثية أخرى تتعلق ببعض الإجراءات والفحوصات المرتبطة بصحة القلب.
لا للتهويل
وختم الريس بأن البحث في هذا المجال والتوعية بها لا يهدف إلى التخويف التهويل، وليس دعوة للامتناع عن ممارسة الرياضة، وذلك لما أثبتته الدراسات من فوائد ممارسة الرياضة لصحة القلب، فضلا عن معدلات الإصابة المنخفضة.
وشدد على ضرورة الاستعداد لمثل هذه الإصابات والتعامل معها من خلال وسائل الوقاية وأهمها اجراء الفحوصات الدورية، وإعداد خطة الطوارئ للتعامل مع حالات النوبات القلبية ومعرفة الإسعافات الأولية والتعامل السريع مع الحدث وتقديم الإنعاش القلبي الرئوي واستخدام جهاز مضاد الرجفان.
ودعا اختصاصي العلاج الطبيعي وتأهيل الإصابات الرياضية محمد الريس إلى أنه يجب نشر ثقافة الإسعافات الأولية، وهو تجاه هذه الحالة أن نتعلم كيفية الإنعاش القلبي الرئوي، داعيا أيضا إلى توفير جهاز مضاد الرجفان بقدر الإمكان في كل الأماكن والساحات التي تقام فيها المناسبات الرياضية مما يقلل معدلات الموت المفاجئ عند الرياضيين.