فرحنا كثيرا بعودة الحياة إلى بيوت الله وإقامة الفروض وصلاة التراويح بالمساجد، فقد دبت الروح في الجسد من جديد بأداء هذا الركن العظيم في هذا الشهر الفضيل بالمساجد والاستماع بخشوع للقرآن الكريم من الأئمة الذين استعدوا جيدًا لهذا الحدث المفرح للنفوس والمبهج للقلوب، فامتلأت المساجد بالمصلين الذين تتوافر فيهم الشروط الواجبة في مثل هذه الظروف الصحية وهذا الوباء الذي يواجه البشرية كلها.
في تلك الأجواء الجميلة، لفت انتباهي ما بين المصلين من مسافات وتباعد هو من مقتضيات تفادي الإصابة بفيروس كورونا، وتذكرت حينما كنا كتفًا بكتف وقدمًا بقدم وكيف كان هذا التلاحم في الصفوف يزيل ما قد يكون بين البعض من نفور أو شحناء، فدعوت الله أن يزيح عنا هذه الغمة ويفرج عنا هذا الكرب ليعود التلاحم الجسدي والروحي بين المصلين، كما أشفقت على التلاميذ ولاسيما في الصفوف الدراسية الأولى وكيف أنهم افتقدوا روحًا لا يمكن وصف جمالها وحلاوتها، لكننا نتذكرها ونتذكر أيامها مهما طالت بنا السنوات ومر بنا العمر، لأنها ربما هي الأجمل على الإطلاق في كل مراحل عمرنا، حيث الطفولة الطبيعية واللهو والانطلاقة مع الأقران واكتساب زملاء وأصدقاء وحدوث مواقف دراسية وحياتية كثيرة نظل نذكرها طيلة حياتنا ولا يمكن نسيانها.
هذه “الروح” التي افتقدناها في الكثير من المواقع والأماكن بسبب هذا الفيروس، ربما لم نكن نشعر بها ولا بقيمتها وجمالها، إلا عندما سيطر هاجس الخوف على سلوكياتنا وفرض الحذر نفسه على تحركاتنا، وفرض ما يسمى بالتباعد الاجتماعي نفسه على كل أنشطة الحياة، حفاظًا على صحتنا وسلامتنا.
عودة هذه “الروح” مرة أخرى بعد انقشاع هذه الغمة بمشيئة الله تعالى لن يكون أمرا سهلا، ولاسيما بعد تكيف الكثير منا مع هذه الحياة الانعزالية المفروضة علينا وعلى أولادنا بفعل هذا الوباء، وهو أمر يجب أن ينتبه إليه علماء النفس والاجتماع ويقدمون توصياتهم ونصائحهم لضمان عودة سريعة لتلك الروح بعد زوال الوباء.