العدد 4502
الأربعاء 10 فبراير 2021
banner
نقطة ارتكاز د. غسان محمد عسيلان
د. غسان محمد عسيلان
هل يوجد تصوف شرعي؟!
الأربعاء 10 فبراير 2021

من أبرز القضايا والمسائل الشائكة التي وقعت فيها أمتنا العربية والإسلامية مسألة الصوفية وهل هي محمودة أم مذمومة؟ وهل هناك تصوف شرعي أم لا؟ وأثر الطرق الصوفية في الفكر الإسلامي، وعلاقاتها بالمستعمر خلال القرنين الماضيين؟ وغير ذلك من التساؤلات المهمة التي كثر اللغط حولها.

بدايةً لا يمكن أن نفي الموضوع حقه في مقال واحد ولا في سلسلة من المقالات، لكن نقول في إيجاز وتركيز إن الإسلام اهتم اهتمامًا كبيرا بأعمال القلوب، وحرص كل الحرص على الصفاء الروحي للإنسان المسلم أو ما يمكن أن نسميه بسمو الحياة الروحية للإنسان، وارتباطه بخالقه عز وجل، واهتم كل الاهتمام بتعميق محبة الإنسان لله تعالى وخشيته منه سبحانه، والهدف من كل العبادات هو تحصيل تقوى الله عز وجل في قلب المسلم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقال عز اسمه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقال: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)، بل حتى حكمة القصاص هي التقوى قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). والإسلام يدعو إلى الورع والزهد ولكن المهم أن ينضبط ذلك بأحكام الدين في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهناك من أعلام الصوفية من عُرفوا بالصلاح والعبادة كالجنيد، وأبي سليمان الداراني، وإبراهيم بن أدهم، وغيرهم، ولكن المشكلة في أغلب المنتسبين للطرق الصوفية في الأزمنة المتأخرة هو تلبسهم بالبدع الظاهرة والدعوة إليها، مع بُعدها عن الكتاب والسنة، وكان الْجُنَيْد يقول: “علمُنا مضبوطٌ بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقّه، لا يُقْتَدى به” (تاريخ الإسلام 22/ 73).

فالمشكلة في الطرق الصوفية الآن هي الوقوع في البدع، وتقديس مشايخ الطرق، ويُنقل عنهم قولهم: “على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل” يعني ليس للمريد حركة ولا رأي ولا إرادة ولا شيء إلا ما قاله الشيخ، فلا يُنكر على الشيخ شيئًا حتى ولو رآه يعصي الله عز وجل، وكل ذلك من الأمور الباطلة؛ فعناية الإسلام بأعمال القلوب وحرصه على تعلقها بالله تعالى والاهتمام بالذكر والدعاء أمر مهم ولا شك ولكن ينبغي أن يُضبط ذلك كله بأحكام وتعاليم الشرع الحنيف بعيدًا عن الضلالات والبدع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية