العدد 4342
الخميس 03 سبتمبر 2020
banner
أطباء مع "ون إكسترا شوت"!
الخميس 03 سبتمبر 2020

حدثني أحد الأصدقاء مفاخرا أنه أصبح أخيراً من عشاق القهوة، وأن ممر طلبات السيارات في أحد مقاهي القهوة صار محطة أساسية ضمن جدول يومه، لكن ما كان يحيره هو التغير في الفاتورة وفي سعر الطلب نفسه في كل مرة، والذي يعود لإضافة محضر القهوة بعض الإضافات على طلبه.

ما لم يستوعبه صديقي العزيز أن اللبس لم يكن سوى في أسلوب التسويق الخادع الذي يدرّس حرفيا لموظف الطلبات، حيث يتم عرض إضافات أكثر على المشروب دون أي تدرج صوتي يمكنك من خلاله التمييز إذا ما كان سؤالا أو تأكيدا على الطلب، وبين استعجال صديقنا وعدم وضوح الصوت خلال الميكروفون في ممر الطلبات الخارجي، يتم تمرير الأمر بسرعة.

ولأننا "شعوب واعية جدا"؛ عرف بعضنا "القمندة"، وتعلم البعض الآخر الإنجليزية بينما اختار الباقي الرفض البحت دون أن يفهم... هذا النمط الاستغلالي لا يقتصر على ممر الطلبات الخارجي للمقاهي فقط، بل أصبح "يدبي" رويداً إلى نطاقات أكثر خطورة.

قبل عدة أيام عاودني ألم التهاب العصب الذي أجبرني على الاستيقاظ منتصف الليل واللجوء إلى أقرب قسم طوارئ طلباً للعلاج، الطبيب المناوب هناك تنازل عن حق فحصي أو النظر إلى مدى تفاقم الوضع لا لشيء سوى أن شعري المشعث وعيناي المحتقنتين أغنوه عن الباقي.. منها تم وضعي في غرفة التمريض وحقني بحقنة مسكنة كانت كفيلة بإرجاعي إلى الفراش سويعات قليلة، لأقوم مرة أخرى أنوح وأتلوى في غرفتي مثل ذبابة حيرى.

عدت مرة أخرى إلى نفس قسم الطوارئ لأطلب وصفة لمضاد حيوي حتى مجيء موعدي مع طبيبي الاستشاري، وكل ما فعله نفس الطبيب المناوب حرفيا هو ختم وصفة لمضاد حيوي ليتم صرفها من الصيدلية، هذه المرة كانت الفاتورة مضاعفة ولكنني لم أعر الأمر اهتماماً؛ كيف وأنا في حضرة الألم.

وإذا لم تسبق لكم تجربة ألم التهاب الأعصاب، فأود أن أعلمكم أنه عدو الوسادة، لذا ما إن جاء موعد الوسادة مرة أخرى حتى بدأ يدوي من جديد من أقصى الجبهة إلى أخمص الذقن، هذه المرة حملت وصفة من طبيبي الاستشاري متضمنة عقارا خاصا في حال مباغتة الألم من جديد، وفي قسم الطوارئ نفسه وعند الطبيب نفسه الذي لم يقرأ حتى الوصفة واكتفى بأن أذكر له اسم العقار، وأشار إلى قسم التمريض، كان وعيي حاضرا أن طريقة حقني بالدواء والجرعة مختلفة عن ما هو مذكور في الوصفة، وحين استعلمت عن الموضوع كانت بكل بساطة أوامر الطبيب المناوب الذي وصف لي "ون إكسترا شوت!" من المسكن، رغم أنني تعديت الجرعة المسموح بها.. أجبت حينها بالرفض لعلمي بما قد أتعرض له من مضاعفات، ما لم أفهمه هو لمَ لم يعر الطبيب هذه الحقيقة أي انتباه، ولم كان مصرا على إضافة هذا المسكن في كل مرة؟ الفاتورة كانت مضاعفة أيضا، لكن "مش مهم" لعن الله الألم.

في اليوم الأخير واستباقا للأحداث ذهبت لنفس قسم الطوارئ من أجل نفس الجرعة في نفس التوقيت، وكان الطبيب المناوب مختلفا، قرأ اسم العقار، وأشار إلى قسم التمريض، ملتزما بحذافير الوصفة. استوقفتني الفاتورة التي لم تتجاوز ربع الفواتير السابقة؛ والسبب أن هذه المرة لم يتم حساب قيمة الاستشارة ولا الإبرة المسكنة، ما يعني أن كل المبالغ السابقة التي يغلب بعضها بعضا، كانت قيمة الاستشارة والمسكنات التي لم أحظ بشرف أخذها والتي أعماني الألم عن ملاحظتها في الفواتير.

يا حسرة، رغم أن الطبيب "صاحب الإكسترا شوتس" كان هرماً بما يكفي لأن يكون من جيل "أبقراط"، إلا أنه نسي القسم، ولربما نسي الأمانة واكتفى باسم المسكن.

ساخرة هي، فكرة تشابه مقاهي القهوة وغرف الطوارئ في المستشفيات الخاصة وتنوع أساليب الجشع، لكن ماذا عن البشاعة المتخفية في محاولات الاستغلال لعنصر "الجهل" في طابور طلبات السيارات و"الألم" في أقسام الطوارئ، حيث يعميان المرء أن يرْجِع البصر ويستدرك الأمر، ولو أن الثانية أبلى؛ لأن "إكسترا شوت عن إكسترا شوت تفرق".

ملاحظة: في غرف الطوارئ، انتبه لأي شيء يعطى لك عن طريق المحلول الوريدي، على الأغلب أنه "إكسترا شوت" أنت في غنى عنها (نقطة)

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية