+A
A-

"حارس زهرة الأوركيدا" ..الانفتاح على الأسئلة الوجودية وسط جائحة كورونا

الحقيقة أرجأت الكتابة عن قراءتي لحارس زهرة الأوركيدا (الرواية البكر للأستاذ جعفر يعقوب) لسببين، أولهما لآخذ وقتي في الاستئناس والتأمل في مختلف جوانب الرواية بدءا من عتباتها وشخصياتها وتعقيد الحبكة وانتهاء بالثيمات وتقنيات السرد والحوار.. أما السبب الثاني فلكون شهادتي في الرجل مجروحة لقربي منه فارتأيت أن أتابع قراءات من كتبوا عنها أولا.

كنت أعتب هامسًا على الأستاذ جعفر عزوفه عن الشعر واتجاهه للسرد.. ظنا مني أنه خلق للشعر فقط.. أما بعد هذه الرواية فآمنت أنه كائن سردي بامتياز.. عمل في الخفاء على تطوير تجربته السردية في أناة وروية.

وبالرغم من كون عنوان الرواية يبدو مألوفا لكونه يحيل على عدد من الروايات المعروفة استخدمت من "الحارس" كلمة أولى في عناوينها، إلا أنه لا يخلو من جمال يدفع المتلقي للنبش في خفايا الرواية.. فضلا عن الرسم الجميل للغلاف الذي عبر عن العنوان.

أراد الأستاذ جعفر أن يستفيد من أجواء "كورونا" المشحونة بالخوف والترقب.. لينفتح على أسئلة وجودية جريئة خصوصا في أجواء القرية.. وكأنه أراد أن يكسر هذا التابو.. ويخوض في المسكوت عنه.. ولمَ لا؟

وضعنا جعفر يعقوب أمام واقع قد لا يهم النخب كثيرا بمقدار ما يهم القرويين الذين لم يألفوا الخوض في هذه المقدسات.

أن يسوق يعقوب على لسان أمير بطل الرواية أسئلة هي فعلا أسئلة مستفزة وظفها الكاتب جيدا وجعل القارئ يلهث وراء الإجابات.. وأعلم أن النخبويين يرون أن العمل الفني المبدع هو ما يصدمك بالأسئلة ولا يجهِّز الإجابات.. وهي عكل حال رؤية ما بعد الحداثة، ومع ذلك فإن هناك أسئلة تركها الكاتب بلا إجابات، قد تبدو للقارئ الحصيف لو تأمل.

وتظهر ثقافة الكاتب الواسعة والمتعددة من خلال التناص مع كثير من الروايات وإلماحه لأكثر من ٢٠ كاتبا وكتابا.

تعدد الأصوات في الرواية مطلوب .. وهذا ما افتقدته في زهرة الأوركيدا.. ولكن يشفع لها أن طرحت رؤى متعددة وإن لم تكن لها أصوات، فهذا أمير العلماني،وحسن المتدين غير المنفتح وأزهار المتدينة المنفتحة التي لم يمنعها تدينها من الانطلاق والتفوق والمشاركة.

أما عن تقنيات السرد فكما رأينا أن الكاتب اعتمد ضمير المتكلم وجعل الراوي بطل الرواية كما اعتمد السرد العمودي الزمني، مع الفلاش باك والمونولوج، وراوح بين السرد والحوار والوصف، واستخدم لغة بسيطة عذبة لتصل للمتلقين على اختلاف مستوياتهم وإن ضحى باللغة الشاعرة التي كنا نتوقعها منه كونه شاعرا.

ربما استعجل الاستاذ جعفر في موضعين.. الأول عندما بدأ التساؤل والصراع  في نفس أمير .. فأرى لو أن الأستاذ تريث فأقنعنا أكثر بتعقيد المشاهد لنصل مع أمير للأسئلة نفسها لكان أجمل، أما الموضع الثاني، فاستعجاله نهاية الرواية، فلم نكد ندخل في ذروة العقدة وإحكام حبكتها حتى فل الأستاذ خيوطها.. وتركنا نقول.. "أفاااااااا.." لكن لا يمنع ذلك من أن جعفر يعقوب استعمل شوكته الرنانة فأثارت في أنفسنا صدى لا يزول.

هناك عدد من الثيمات في الرواية .. منها ضرورة التعايش.. وبدا ذلك واضحا من صداقة أمير وحسن، ومنها التضحية من خلال التطوع في فريق البحرين لمكافحة كورونا، والثيمة الأهم هي الحوار الهادئ غير المتشنج وظهر في النقاشات التي دارت بين أمير وأزهار.

كما لم يغفل الأستاذ جعفر أهمية الالتزام بالتباعد الاجتماعي في أجواء الوباء​.