+A
A-

حسن جناحي رحمه الله النموذج المشرّف

ابتدأ شرف معرفتي بأبي بدر رحمه الله وأسكنه جنته قبل ثلاث عشرة سنة في دورة أمهات العلوم الشرعية بجامع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، واستمرت تلك العلاقة على حسن العهد وجميل الود، وكلنا عايشنا فاجعة وفاته التي لمست قلوب أهل البحرين جميعهم، في هذه الكليمات المتواضعة في حق حسن، لن أتطرق إلى ترجمته وسيرته الذاتية، ربما أؤجل ذلك إلى وقت آخر، ولكني سأحرص على انعكاسات تلك الشخصية الاستثنائية التي جعلته نموذجًا مشرفًا.

حسن هو ذلك الشخص الذي لم يحده تخصص عن العطاء في متنوع المجالات، تخرج في كلية إدارة الأعمال تخصص محاسبة من جامعة البحرين مع سيرة طيبة ونشاط مشهود في العمل الطلابي الجامعي، ومع ذلك كان حريصًا على تعلم العلوم الشرعية فدرس في معهد الإمام الزهري للعلوم الشرعية، وتخرج فيه، ويلتحق بالدروس العلمية والدروات المتنوعة، وكان إمامًا وخطيبًا بإدارة الأوقاف السنية، ومحبًا لعمل الخير والإغاثة، وداعمًا للشباب في مختلف المجالات بتوجيهاته ونصحه وثنائه، ثم إنه وجّه حبّه للبحر إلى هوايةٍ اتخذها بوابةً لخدمة البحرين، وطنه الذي يحب، وملاذه الذي بكاهُ عند فقد سيره على أرضه، وتنحب عند انقطاع غطسه في أعماق بحره!

كم نحتاج إلى نماذج حسنة كحسن! حسن التعظيم .. حرص من خلال هذه الهواية على الدعوة إلى تعظيم الخالق سبحانه، وتقرير اليقين بالتأمل في إبداع خلقه وتصويره كما قال رحمه الله: "فرصة الغوص تعطيك استشعار عظمة خلق الله في العالم"، ولا يخفى أثر ذلك على إيمان العبد، وترقيته، فإن الإنسان يحاول أن يجد ما يمد به حبال الإيمان بربه، وما يثبت به أوتاد اليقين، ويختلف ذلك من شخص إلى آخر، ويتنوع بين تأمل وتأمل.

حسن المبادرة .. حسن في بدايات تعلقه بهوايته، مضى في طريقه دون تطلع لدعم أو إشادة، وأخذ يصدّر جمال أعماق البحرين بجهد شخصي، ثم تعاونت معه بعض الجهات المتعاونة والمؤسسية إلى أن استطاع لفت انتباه المسئولين وإحياء بحر البحرين كوجهة سياحية تقصد، ومع السعي في تطوير ذلك بمختلف الأفكار والمبادرات؛ يحثنا ذلك إلى أن المخلص إذا جعل حب وطنه أمامه، وسعى في ذلك دون الالتفات إلى مادة ولا وصول، إنما العمل للوطن، اعتزازًا به، وردًا لجميل عطائه.

وهذا ينقلنا إلى حسن الهوية .. يرن في أذني كلما أذكره رحمه الله قوله: " البحرين صغيرة إنك تشوفها في خارطة العالم، ولكنها كبيرة على خارطة الحضارات التي مرت عبر تاريخها"، فكان حسن ينجذب كثيرًا إلى ذلك الهوى في حب وطنه وبلده، فحمل على عاتقه تصدير الوجهة البحرية للبحرين تاريخًا وحاضرًا ومستقبلا، إليك عناوين بعض توثيقاته المرئية فيما يخص التاريخ: "حطام البوم مفاجأة في بحر البحرين/ المركب المقصوص أشهر مَعلم بحري في تاريخ البحرين"، وفي الحاضر: "رحلة بولثامة/ لقطات من هير شتية/ ساحل بلاج الجزائر"، كذلك الحرص على رصد بعض الغرائب في بحار البحرين كرصده: "القرش الحوتي في بحر البحرين"، وللمستقبل: "البحرين بين بحرين/ المقابلات والمداخلات التلفزيونية/ فعاليات التنظيف" وغير ذلك، وهذا يقودنا إلى صدقه في هوايته أنه رعاها من الجهات الثلاث التي تسهم فيها الحفظ الشامل لها.

وأذكر مرة أني ذكرته في الصف الدراسي حول نقاش دار بيني وبين تلاميذي عن التعبير عن المواطنة بطريقة نوعية، وذكرت أبا بدر كنموذج في ذلك، وقد رأيت في ذلك أيضًا تقريرًا لطالبة في مدرسة عن سيرة حسن وجهده في حياته!

ومؤخرًا كان يتطلع إلى مشروع توثيقي مرئي ومدون: "الحوادث البحرية في البحرين" مبنيًا على التوفيق بين الروايات المحلية والمصادر الأجنبية، وكان يراسلني لمعاونته في الالتقاء ببعض الشخصيات من المتخصصين وكبار السن، إلا أن الأجل كان أسبق من إخراج ما في جعبته، وتحقيق رغبته؛ همة عجيبة تجدها في حسن رحمه الله يسعى من خلالها التعبير عن انتمائه لإسلامه، واعتزازه بهويته البحرينية، قد يظن البعض أن تعبيره عن هويته وحسن انتمائه لم يتجاوز سواحل البحار، بل كذلك كان حريصًا على تصدير أعلام البحرين، كما فعل في شخصية السنة النبوية لعاميين متتاليين من جائزة الراجحي للسنة النبوية في اختيار مسند البحرين وفخر شيوخها نظام يعقوبي العباسي حفظه الله وبارك في علمه وعمله، والشيخ المحدث خالد بن سالم المنصوري رحمه الله، إلى غير ذلك من إعجابه وتطلعه لخدمة جمع من أعلام البحرين في شتى المجالات.

حسن الخلق .. يشهد له القريب والبعيد، والصغير والكبير، المسلم وغير المسلم، بدماثة خلقه، وطيب معشره، وصفاء روحه، وجمال بسمته، وهذا الذي يبقى أثره بين الناس، فكان خبر فقده فاجعة مريرة، ومع تنوع مهماته وأعماله، لم يكن حبيسًا في أحد منها، وهذا ما نحتاجه اليوم حقيقة، فإن خروج إمام المسجد من محرابه إلى أوساط الناس ومجامعهم، والمشاركة والانبساط لهم له أثر عظيم، في تتميم تلك المهمة، ولما فيها من دعوة إصلاح، وعكس للطيب والانشراح، لم يأخذه انشغال بوظيفة عن تطوع أو خدمة عامة، ينفع بها الخاصة والعامة، ولم يتحيز إلى فئة أو مؤسسة بل كان متسامحًا عاملًا مقدرًا لجهود الجميع.

هذه أسطر متواضعة وكليمات يسيرة في حسن بن محمد بن عبدالرحمن نظام جناحي النموذج المشرف، حاولت فيه عكس شخصيته الاستثنائية من خلال مشاهدات في دينه، وتعظيمه لربه، وحسن خلقه، وهويته، وحبه لوطنه، وجميل مبادراته ودعمه، وتنوع اهتماماته مع تركيز ونوعية، مع بيان أثر ذلك، ليحسن الانتفاع والاقتداء، وأعرف أن هذا غيض من فيض، وقطرة من شهد، وإني على يقين أن بحريننا عامرة بأمثاله، ولكن علينا أن نحسن تصديرهم، ودعمهم، والوقوف معهم، وأعدكم بتوثيق يليق بصفاء روحه، وعظيم جهده بإذن الله وتيسيره. أسأل الله له الرحمة والرضوان، وأن يسكنه علالي الجنان.