العدد 4231
الجمعة 15 مايو 2020
banner
في التاريخ الحلو والمر والجميل والقبيح
الجمعة 15 مايو 2020

في بعض الأحيان يقع بين يديك كتاب لا تود الانتهاء من قراءته نظرا لتجربة صاحبه المنوعة في الحياة وروعة السرد والتحليل والوصف، وفي برنامج القراءة الذي وضعته لنفسي طوال فترة الجلوس في المنزل، قرأت كتاب “الأمة والعوامل المكونة لها” للكاتب محمد المبارك، واستمتعت بطريقة الحياة المرسومة في ثقافته وتحليله للواقع، فالمؤلف يرى أن المهم في الثقافة ليس ما تحتويه من معلومات، إنما الروح التي تتميز بها عقلية الأمة والاتجاهات الفريدة التي توحد أبناءها وتربط بينهم بصلات يعتزون بها ويفخرون كما يفخر الشريف بشرفه واستقامته.

الثقافة في رأي مؤلف كتاب الأمة ليست شيئا جامدا لا يقبل التحول، بل هي قابلة لأن تتجدد وتنمو على الدوام.

وفي عرض عامل التاريخ يبين المؤلف أن في التاريخ الحلو والمر والجميل والقبيح، لهذا لا نراه يندفع في تمجيد التاريخ بكل ما فيه، بل إنه يبين لنا في دقة العالم أن المهم في التاريخ ليس حوادثه نفسها، بل ما يوجه هذا التاريخ من قيم ومعان سامية، فما أصدق ذلك. وحقا فإن المؤرخين إذا اعتدوا بالعصور الإسلامية أكثر من غيرها في تاريخ العرب، فلیس ذلك إلا لأن هذه الفترة من الماضي العربي أكثر حيوية من غيرها وأقدر على التعبير عن الحقيقة العربية في شكلها كدولة، وصورتها كحضارة لا أفراد، وفي أهدافها الإنسانية القائمة على تجاوز الكيان العربي نفسه في تسامح ومحبة وعطاء.

لقد علم الإسلام العرب كيف يكونون أنفسهم بطریق ذوبانهم في الإنسانية الكبيرة والمعاني العظيمة، فكان تاريخهم عظيما كالمعاني التي حملوها.

بصورة عامة، إن القارئ يحس منذ أن يصافح بعينيه الصفحة الأولى من الكتاب وحتى ينتهي منه، أنه ليس أمام نظريات مترجمة ولا أفكار مستوردة، ولا غرو فبوسعك أنت مع أي إنسان أن تميز بين الحقائق التي يعرضها الذهن كتصورات عقلية، والحقائق التي يحياها الكاتب ويحس بها كشعور يفيض من ذاته. كتاب قيم يستحق القراءة والاقتناء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .