العدد 4224
الجمعة 08 مايو 2020
banner
الإنسان في سبيله إلى تدمير ذاته بيده
الجمعة 08 مايو 2020

هناك مقولة جميلة للكاتب الإنجليزي “آرنولد توينبي” هي “عمر الإنسان عود كبريت منكسر، وعالمنا موغل في الإبحار إلى المجهول”.

قضيت الأسبوع الماضي وبحكم الالتزام بالجلوس في المنزل، في قراءة كتاب بعنوان “تجارب” لتوينبي كان قد أصدره بمناسبة الثمانين من عمره، وشخصيا كنت قد اطلعت من قبل على عدد من كتب “توينبي” المتعلقة بالتاريخ والفلسفة التجريبية وعن الشعوب والحضارات، لكن هذا الكتاب يتسم باختلافه عن كتب آرنولد توينبي الأخرى، فكلماته تقدم للقارئ معبرة عن تعاطف توينبي الإنساني الرقيق وإحساسه بالخوف الشديد على مستقبل الجنس البشري، ونجد مثالا لذلك في ترديد توينبي الدائم والمتكرر لما قاله الشاعر الروماني تيرانس “إنني واحد من البشر، لذا فليس ثمة شيء إنساني لا أشعر نحوه باهتمام بالغ”، والطريف في هذا الكتاب أيضا أنه لا حدود للموضوعات التي يتحدث عنها الكاتب، لأنه يتناول أمورا مطلقة لا يمكن تحديد بدايتها أو نهايتها، وتبدأ هذه الموضوعات بالحديث عن الحياة وظواهر الوجود من الميلاد حتى الموت، وبعض هذه التجارب نعرفها، لكننا لا نمارسها أو نتحكم فيها، لكنها تفرض علينا.

نحن لا نحدد ميلادنا، وبالمثل فإننا لا نعرف متى سينتهي وجودنا، ثم يصل توينبي في كتابه عن تجاربه في الحياة إلى حقيقة مهمة لا سبيل أمامنا إلى الفرار منها، بل من واجبنا مواجهتها والعمل على تغييرها، وهي أن مستقبل البشرية ليس مستقبلا يوحي بالأمل أو يدعو إلى التفاؤل، وأن الإنسان في سبيله إلى تدمير ذاته بيده، وبالوسائل التي يتوهم أنها ستتيح له حياة أفضل، تلك الحقيقة تتمثل في أن ما حققه الإنسان من إنجازات تساعده على الحياة، قد استحالت في واقع الأمر إلى وسائل تؤدي به إلى الفناء والهلاك.

آرنولد توينبي يقول... يتعرض الإنسان في العصر الحديث لخطر حقيقي، فقد يقضي عليه وحش مخيف – التكنولوجيا - خلقه الإنسان بيده.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .