في السنوات الأخيرة كان الحديث الغالب هو الانتقال لا محالة إلى عالم رقمي خالص وكساد بعض الوظائف أمام هيمنة الذكاء الاصطناعي وهو ما كانت تشير له الأرقام والإحصائيات خصوصا مع العولمة الحادثة والنقلة النوعية لعلوم الحاسوب واهتمامات أخرى كعلوم الفضاء وغيرها، لكن سؤالي دوما كان يتمحور حول الكيفية التي ستحدث من خلالها هذه النقلة.
أعتقد أن الإجابة باتت واضحة حاليا! ها هو فيروس كورونا ينقلنا مجبورين وبسرعة متناهية للتعامل الرقمي اللامحدود، فالتعليم بات عن البعد والتعاملات النقدية أصبحت محدودة والمعاملات الحكومية والمؤسسية وغيرها كلها (أون لاين)، حقيقة كنت أفكر طوال الثلاث سنوات الماضية في حقيقة تأهلنا للتحول الرقمي التام وكم سيستغرق هذا التحول من وقت؟ وجاء هذا الفيروس ليجعلنا بين ليلة وضحاها قادرين على اللحاق بالركب بل وعلى المواكبة وهو الأجمل والأخطر في آن واحد!
ستنتهي أزمة كورونا لكنها ستخلف نتائج كثيرة منها قدرتنا الواضحة على التخلي عن عدد كبير من الوظائف، تعاملات إلكترونية لا محدودة، والأدهى حالة من “الربادة” والخمول، أصبحنا جاهزين لها فعلا، حتى أن الجو العام أصبح خاملا ومهيئا لهذه الظروف، فكما يقال على صفحات الإنترنت إنها المرة الأولى التي يكون فيها للخمول والكسل والبقاء في البيت دور بطولي أساسي في حماية هذا الكوكب.
نحن الآن في خضم هذه الأزمة نعيد ترتيب أوراقنا، أو هكذا أطلب من السادة القراء، فما بعد كورونا هو الأخطر، الكثير من الأمور في طريقها حتما لاندثار لا رجعة له طبعا كبعض الوظائف كما أسلفت، وأمور أخرى تحتاج إلى تنمية واهتمام كأن يكون لدينا صف من العلماء والباحثين البيولوجيين وميزانية داعمة لهم ولأبحاثهم.
لقد عرى كورونا البشرية فأصبحت نقاط القوة والضعف بارزة وواضحة وضوح الشمس، وأعتقد أنه لا فرصة أمامنا حاليا سوى الاستعداد التام لما بعد “كورونا” فالعالم بأسره سيتغير تغيرا لافتا ومدهشا تكشفه لنا السنوات القادمة.