العدد 4059
الإثنين 25 نوفمبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
التفكير خارج الصندوق
الإثنين 25 نوفمبر 2019

كي تصنع التغيير لابد من نهضة تنويرية على العادات والتقاليد المتكلسة، وهذا لا يكون دون حفريات نقد وجرأة، وقرار وفتح النوافذ لدخول أوكسجين التنوير. هذا يكون في الفلسفة والفكر والثقافة والاقتصاد، وهنا تحتاج إلى عقل نقدي لا تبريري.

فاليوم نحتاج إلى ثقافة نقد لاكتشاف تراكمات الأخطاء لبني على الجميل، ونبني من جديد متفادين الأخطاء. وهذا ينطبق في كل أمور حياتنا في السياسة والاقتصاد والاجتماع. كان الحزب الشيوعي الصيني يرقص طربًا على أفكار ماوتسي تونغ في التنظير الثقافي وكذلك فيما سماه بالثورة الثقافية، والإصلاح، ولم تكن سوى تأصيل لشيوعية متخشبة متكلسة استاتيكية قادت آلاف الصينيين للجوع والفقر.

الحكم البوليسي كان يرى نفسه الآلهة، وكل ما يقوم به صحيح. لكن هناك شخصية ناقدة تفكر خارج الصندوق الشيوعي، وفي ذات الحزب راحت تنتقد الحزب بشده لأجل الصين، لا تحمل أي بعد تآمري ولكنها تعشق التغيير. راح الزعيم يردد: لا يمكن أن نستمر على فكر ماو ويظل الناس جوعى وفقراء. كانت فكرته أن يتم الاستعانة بخطة اقتصادية لدعم خطة لشخص بارع ومبدع يتم اختياره من أفضل الجامعات فوقع الاختيار على جامعة اكسفورد. رفض طلبه 7 مرات من قبل الحزب الشيوعي في الصين حت تمت الموافقة.

هذا الزعيم الصيني صاحب التغيير العظيم هو “دينغ شياو بينغ” مهندس الإصلاح الصيني. قام بمراسلة الجامعة أكثر من مرة فتمت الموافقة والترشيح على بروفيسور. أرسلت له الجامعة هذا البروفيسور الاقتصادي الذي كان له الدور في تغيير الاقتصاد الصيني من متخلف إلى ثاني أقوى اقتصاد عالمي، هل تعلمون من هذا البروفيسور؟ إنه عراقي يدعى إلياس كوركيس.

الثورة الاقتصادية تبدأ بقرار ثم تبدأ الاستراتيجية، والتخطيط وإيجاد فريق عمل إبداعي متكامل مع سياسة تقوم على محاربة الفساد وإلغاء المشاريع التي تستنزف الدولة (الفيلة البيضاء) وجذب الاستثمار عبر بيئة حاضنه والتنوع في المشاريع، مع دعم التعليم الابتكاري واقتناص الشباب وإدخال الدماء الجديدة من الكوادر الشبابية في الوزارات باستمرار.

هذا ما قامت به سنغافورة عبر الزعيم العظيم لي كوان يو والصين بزعامة دينغ شياو بينغ وكوريا الجنوبية عبر زعيمها بارك تشونج هي. العمليات الجراحية في الاقتصاد تحتاج إلى مركزية وجرأة وإقدام لكنها ليست صعبة أو تحتاج إلى عصا سحرية، وهناك تجارب لبلدان بدأوا من الصفر حتى الرمل والماء يشترونه من الخارج، لكنهم الآن من أغنى الدول. حتى أوروبا لم تتغير ثقافيًا إلا بزعماء نقد مثل فولتير ومارتن لوثر ونيتشه وفي الاتحاد السوفيتي كان لنظرية البروسترويكا لكورباتشوف دور، ومهاتير محمد في ماليزيا.

لا أؤمن أننا سندخل في العصر الصيني كما يشاع مادامت الصين متطورة اقتصاديا متخلفة سياسيا بسياسة النظام الواحد الأحادي. الإمام علي (ع) يركز في إدارة الحكم بوصاياه إلى مالك الأشتر لقيادة مصر على العدل والعدالة الاجتماعية والتركيز على الفقراء قبل الأغنياء، وسيادة القانون واحترام كل الأديان خصوصًا الأقليات ومحاربة الفساد. الإمام ركز على الانفتاح السياسي والاقتصادي.

الذي ضيع الاتحاد السوفيتي هي الدكتاتورية والاعتماد على السلاح، والتوسع الأيديولوجي. والذي سيقود أميركا للتراجع هو الرأسمالية الجشعة ونرجسية السيطرة على العالم، واقتصاد قائم على الديون رغم تنوعه وعظمته إلا أنه يزيد فوارق طبقية.

لعل من أفضل الدول هي دول الشمال الأوروبي من النرويج والسويد والدانمارك، فهناك انفتاح سياسي ديمقراطي واقتصاد قائم بين الرأسمالية والاشتراكية من حيث التوزيع وتدخل الدولة والعدالة الاجتماعية.

لا أخفي إعجابي بشخصية مثل لي كوان يو، أو بارك تشونج، أو دينغ شياو بينغ؛ فهولاء لا يمتلكون صفات خارقة أو قادمون من كوكب آخر، لكنهم عرفوا كيف يبدأون بطريقة صحيحة، فكانت سنغافورة والصين وكوريا الجنوبية. انظروا كيف للبرازيلي لولا سلفا عظيم البرازيل أبو الفقراء وصانع نهضة البرازيل كيف بخطة اقتصادية غير بلاده رغم الحرب التي شنت عليه ظلما.

لاحقًا سأتحدث لكم عن الزعيم الهندي الكبير (مان موهان سنج) وما فعله من معجزة في اقتصاد الهند. دعونا نضع يدنا بيد بعض لنبني العالم الإسلامي باقتصاد عظيم. بإمكان دول العالم الإسلامي والعربي أن تتخذ من هذه الدول مثالًا في التغيير خصوصًا الدول التي تعاني أزمات كبرى كلبنان والعراق وإيران، بل معظم الدول إن أرادت.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .