العدد 4054
الأربعاء 20 نوفمبر 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
حين ينتقل الاختناق من الشارع... إليك!
الأربعاء 20 نوفمبر 2019

أصبح من المقلق جدًا، والمزعج كثيرًا ما نعانيه – جميعًا – من زحام واختناق مروري في كل شوارع البحرين، من أقصاها إلى أقصاها! كما أن حادثًا بسيطًا في شمالها قد يجلب الويلات في جنوبها؛ فنحن في جزيرة صغيرة المساحة، شوارعها لا تستوعب الطفرات القافزة في أعداد المركبات التي ترتادها، خصوصًا في ظل ما تشهده البحرين من زيادة سكانية كبيرة في السنوات الأخيرة.

هذه قضايا تخص وزارتي الأشغال والداخلية وبعض الجهات، فهم – بطيبعة الحال- لا يجهلونها، كما أنها ظاهرة شاهرة للجميع منا، لذلك فهي ليست موضوعنا. موضوعنا هو الحالة النفسية التي نتجشم عناءها يوميًا؛ كلما سقنا سياراتنا إلى مقار عملنا، أو مواعيدنا المختلفة، ولاسيما الطبية منها، وكيف تضيق أنفاسنا وسط زحام لا يكاد ينفرج إلا بعد أن نزبد ونرعد، وربما ننفجر غضبا على السواق الآخرين؛ إذ تتحول الغالبية منهم إلى فنانين في التجاوز والمخالفات، فكي يصلوا إلى وجهاتهم؛ يعملون على تأخيرك، كمشاغبين في الصفوف؛ يتقدمونك، دون هوادة أو مبالاة!

ما أكثر الاختناقات المرورية التي تُفقدنا التركيز، والهدوء، والسيطرة، والانضباط؛ فيفلت عقالنا دون أن نشعر، وما بين السرعات البطيئة والسريعة نسبيًا؛ قد نُفاجأ بأننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من ضرب المركبات التي تتقدمنا، أو ربما أوشكنا على ذلك؛ وفي الحالتين؛ يمكنكم تخيل ضربات الدفوف القلبية، والتوتر، والخوف أو الجزع، وارتفاع الضغط، وتسارع الأنفاس، وهو ما يحتاج إلى طاقة خاصة، وتمرين لاستيعاب مثل هذه الصدمات، التي قد تُودي بحياة بعض الأشخاص منا!

هذا الخنق المروري الإجباري يحتاج – من دون مبالغة – إلى استعداد نفسي وجسدي مادي معًا؛ فتوقعه يساعد على تخفيف الضغط النفسي الناجم عنه، ومن ثم؛ التعاطي مع الأمر بإيجابية وأريحية دون انفعالات زائدة، كما أن التفكير بشغل أو استثمار وقت الانتظار الطويل؛ بما يحببه المرء منا، من قبيل الاستماع إلى موسيقى هادئة، أو قرآن، أو غيره، سيساهم بلا شك في إلهاء السائق وتجنيبه الكثير من حالات التوتر أو الغضب!

الواقع أن الزحامات المرورية لدينا واقع معيش، ومهما بغضنا أو كرهنا الوقوع فيه؛ فإنه قائم، وما لم نتعامل معه بمرونة؛ سيكون عاملا سلبيًا، قد يغير من عاداتنا السلوكية دون أن نشعر إلى ما هو سيئ ومخيف! هذا ليس كلاما مُغاليا أو مُزايدا؛ إذْ تخيل أن تتعرض لتوتر مستدام، وبصفة يومية، لأسباب خارجة عن إرادتك، وبلا منطق سوى منطق الشوارع واختناقاتها، ماذا تتوقع النتيجة على المستوى البعيد؟! إنه الضغط الذي يكتم على أنفاسك بهدوء، وبالتدريج، حتى ينقل الاختناق من الشارع إليك! فاحذر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .