العدد 3983
الثلاثاء 10 سبتمبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
رأيتُ كلَّ زهرةٍ تنامُ عند كتفِ الحسين
الثلاثاء 10 سبتمبر 2019

سلامًا على ضمير الوجود مشظّى على ناصية السماء، سلامًا على قلب الحسين ينزف دمًا علويًّا من على حديقة ورد وزهر إباء، سلامًا على الحسين دموع فاطمة تتوزع غربة الحياة بعد الرحيل، أطفالاً مشردين، ويتامى هائمين على وجوههم في صحراء الحزن الجريح.

(وحينما استقرَّتِ الرّماحُ في حشاشةِ الحسين

وازينّتِ بجسدِ الحسين

وداستِ الخيولُ كلَّ نقطةٍ في جسدِ الحسين

واستلبتْ وقسَّمتْ ملابسَ الحسين

رأيتُ كلَّ حجرٍ يحنو على الحسين

رأيتُ كلَّ زهرةٍ تنامُ عند كتفِ الحسين

رأيتُ كلَّ نهرٍ يسيرُ في جنازةِ الحسين) شعر.

ويمشي التاريخُ مبضّعًا يقص ليالي الوجود، وتبقى الجمالَ يغطي الجمالُ لونَ الضمير، وشعلةَ القلب النوار. من أنت؟ وكيف انبثقت؟ وكيف انبعثت؟ سنونو يقبّل شفاهَ الأفق البعيد، ونورسُ غربةٍ يلملم موانئ المغتربين الجياع. وحيدًا كما القمرُ البعيد، لكنه مضيء، وأجمل نجمٍ في سماء البتول لكنه كسير. وأحلى فؤاد يقطر عسلَ النقاء لكنه سكيب. وأغلى أنيس لعلي لكنه غريب. تدافع عن الكبرياء وشبلُك في خيمة العزِ مستلقيًا كنمرٍ مريض، يصافح بالعصا كفَ الخلودِ وبالأخرى يكفكفُ دمعَ اليتيم. سلام عليك شجرَ المجتنى توزع ثمرَ الآباء للخالدين. تسير بركبك بين الذئابِ فصرت الخلود وكانوا (يزيد). (ظنوا بأن قتَلَ الحسينَ (يزيدُهم) لكنما قتَلَ الحسينُ يزيدا). وهل ثمة خلود أكبر من هذا الخلود ؟ سلام عليك، وعلى آل هاشم، وزينب تطفئ بالدمع احتراقَ الخيام !! هو اليتمُ يسير بركب الوجود مذ أصبحت كربلاء مبرة يتم وعين يتامى لا تنام. (هذي دماك على فمي تتكلمُ. ماذا يقولُ الشعرُ إن نطق الدمُ (شعر). وهذه كربلاء تنشدُ أنشودة بعزف الحبر محبرة جمال في كتاب العقاد (أبو الشهداء) وهو يقول: (تعتبر حادثة استشهاد “الحسين بن علي” في “كربلاء” إحدى أهم المآسي الإنسانية على مر التاريخ؛ حيث يتجلى الصراع الأبدي بين الخير والحق من جانب وبين الشر والنفعية من جانب آخر) والشاعر العراقي الكبير السياب ينشد في الحسين شعرًا (ارم الوجود بنظرة استهزاء واجعل شرابك مـن دم الأشلاء). ومسرحية ملهمة في هيئة ملحمة لعبدالرحمن الشرقاوي (الحسين ثائرًا) جسّد فيها كربلاء.. و أبيات شعر ادونيس العظيمة. (وحينما استقرَّتِ الرّماحُ في حشاشةِ الحسين

وازينّتِ بجسدِ الحسين

وداستِ الخيولُ كلَّ نقطةٍ في جسدِ الحسين

واستلبتْ وقسَّمتْ ملابسَ الحسين

رأيتُ كلَّ حجرٍ يحنو على الحسين

رأيتُ كلَّ زهرةٍ تنامُ عند كتفِ الحسين

رأيتُ كلَّ نهرٍ يسيرُ في جنازةِ الحسين) شعر.

ونزار قباني يردد (فجراح الحسين بعض جراحي وبصدري من الأسى كربلاءُ) وتخفف يا أبا عبد الله، الجرح الوطني لنكسة 67 التي مني بها العرب، فيجدك نزار الملهم الشهيد (فتاريخنا كلهُ محنةٌ وأيامنا كلها كربلاءْ). وذهب نزاربعيدًا محلقًا بكربلاء في رثاء طه حسين في قصيدة (ارم نظارتيك ما أنت أعمى إنما نحن جوقة العميان) ليصور يتامك أبا عبد الله، تتوزعهم وحشية البشر، وحيوانية المطامع، فينادي اسم الحسين وصورة احتباس الماء عن شفاه اليتامى. فيقول ويكون الإمام الحسين ملاذًا للتخفيف عن وجع نزار في لندن وهو يرثي ابنه الأمير الدمشقي، توفيق، سنة 1973، كما رثى الإمام الحسين ابنه علي الأكبر: (لأي سماء نمد يدينا؟ ولا أحدًا في شوارع لندن يبكي علينا يهاجمنا الموت من كل صوب ويقطعنا مثل صفصافتين فأذكر، حين أراك، عليًّا وتذكر حين تراني، الحسين. وفي رثاء الطف يقول شاعرنا العظيم نزار قباني (:من أين يأتينا الفرح؟وكل طفل عندنا، تجري على ثيابه دماء كربلاء.. والفكر في بلادنا أرخص من حذاء).. وفي الحب يأتي الحسين حيث في كربلاء كل أنواع الحب، حب الحسين لليلى، حب الحسين لعلي الأكبر، حب الحسين للأخت زينب ع وحب الأخ لأخيه العباس، ولأصحابه. يقول نزار في رثاء حبيبته بلقيس (بلقيسُ: إن هم فجروكِ.. فعندنا كل الجنائز تبتدي في كربلاءَ وتنتهي في كربلاءْ لن أقرأ التاريخ بعد اليوم إن أصابعي اشتعلتْ وأثوابي تغطيها الدماء ها نحن ندخل عصرنا الحجريَّ نرجعُ كل يومٍ، ألف عامٍ للوراءْ.

وفي محنة فلسطين يستشهد نزار بالحسين ع (من وَجَع الحسين نأتي من أسى فاطمةَ الزهراءْ.. من أُحُدٍ.. نأتي ومن بَدْرٍ ومن أحزان كربلاءْ.. نأتي.. لكي نصحِّحَ التاريخَ والأشياءْ ونطمسَ الحروفَ.. في الشوارع العبرِيَّة الأسماءْ) وفي قصيدة ألقاها فجّرت أزمة له في العراق أيام حكم البعث: مواطنون نحن في مدائن البكاء قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء حنطتنا معجونة بلحم كربلاء طعامنا.. شرابناع اداتنا.. راياتنا زهورنا.. قبورنا جلودنا مختومة بختم كربلاء. سلام عليك أبا عبد الله، يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيًّا، ولا يوم كيومك يا أبا عبد الله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية