العدد 3970
الأربعاء 28 أغسطس 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
قد تتفذلك عقولنا علينا!
الأربعاء 28 أغسطس 2019

عقل الإنسان مُركَّب بشكل ذكي جدا؛ فهو مُجهّز لاستقبال كميات لا حصر لها من المعلومات والمفاهيم والتصورات والقيم، بدءا بمراحل الإنسان المبكرة وانتهاء بآخرها! يُسجل، ويحفظ، ويُنقّح، ويُصنف، ويُرتب، ويقوم بأدوار لا حصر لها، ولكن بشرط واحد: الاستيعاب والوعي؛ فالمعارف والخبرات تمر علينا جميعًا؛ ولكن، ما لم نكن مُدركين لأهمية الإبقاء عليها، أو تخزينها، من خلال عملية التكرار وتركيز الاهتمام؛ فإن عقولنا ستركنها في زاوية بعيدة، وسنُفاجأ بأننا لا نتذكرها حين نحتاج إليها، وكأنها لم تكن يومًا ما موجودة!

والحقيقة أنها موجودة بالفعل؛ لكننا لا نحيطها بالعناية اللازمة التي تجعلها حاضرة لنا على الدوام؛ بحيث تسمح باستحضارها وقتما نشاء، وبالكيفية التي نريد! لذلك نشتكي من كثرة النسيان، وأن هذه المعلومة أو تلك؛ مرت بنا سابقًا؛ غير أننا غير قادرين على تذكرها أو الاستفادة منها حال الحاجة! فما الفائدة؟ تمامًا كالطالب الذي يدرس للامتحان؛ وينجح بتفوق ساحق؛ فإذا ما انقضى وقت هذا الامتحان بفترة وجيزة، وطُلِبت منه الإجابة على الأسئلة نفسها؛ وجدناه يُخفق بدرجة مؤلمة، ومزعجة، فمن المسؤول عن ذلك كله؟!

إنه العقل نفسه ولا شك، المستعصي على المخادعة، واللعب بالذيل كما نقول؛ إذْ لم تصله رسائل حقيقية تقول له: إن ثمة معلومات قادمة إليك، وهي مهمة، وأرجو منك الاحتفاظ بها، واستخدامها وقت الطلب! بل كانت الرسالة كالآتي: لديك من الوقت (كذا)، وما عليك سوى صبّ المعلومة في القالب المطلوب، حتى إذا انتهى الوقت؛ أَعدِمها أو تصرف بها (لا يهم)! باختصار عقلك لا يخدمك – على المستوى البعيد – إذا تعمّدت قاصدًا أن ُتوصل إليه رغبات براجماتية آنية! لذلك يصعب عليه – بعدها - استخراج ركام المعلومات من تلكم الزاوية المغلقة، حين تُقرر الاستفادة منها!

ماذا علينا أن نفعل إذا في ظل عقول نمتلكها – فيزيائيًا – لكنها تتفذلك علينا، ولا تكاد تخدمنا في كثير من الأحيان!؟ إنني أظن أن إحدى الإجابات تتمحور في عملية التركيز العميق؛ الذي يأخذك إلى المستويات العميقة في القراءة، بعيدا عن السطح؛ بحيث تتأمل ما تقرأ، تفكر فيه، تعالجه في دماغك، تُسائِل ما تقرأ، تنتبه إلى بعض الجوانب؛ جمالية أو فكرية... حينها ستصل الرسالة واضحة إلى عقلك، ولن تنسى أبدا فحوى ما مر عليك أيًا يكن!

الجميع يقرأ، والكثير ينسى، لكن الفرق يكمن في طريقتك في القراءة أو تلقي المعلومة، فهل تقرأ لغاية وقتية، بهدف إشباع سريع، أم لتتلقف ما قرأته بهدف إشباع دائم؛ حينها سيذهلك عقلك؛ كيف يستحضر ما تريد في سرعة خرافية، وكأنك لا تنسى أبدًا!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية