العدد 3900
الأربعاء 19 يونيو 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
المراهقة مُصطلح نفسي... مُرهق!
الأربعاء 19 يونيو 2019

يُسميها المشتغلون في النظريات النفسية بـ (المراهقة)، حتى شاعت التسمية لدى الجميع؛ وتعارفوا على نعت من يعيش مرحلتها العمرية بالمراهقين والمراهقات؛ فكان أن كرّهوهم في التسمية، وأصبحوا يتمنون القفز عليها؛ ليدخوا في مصافّ الرجال والنساء؛ حيث مرحلة البلوغ، وحيث يتوقف الجميع عن تبرير تصرفاتهم وسلوكياتهم، وإرجاع أسبابها إلى المراهقة؛ التي أصبحت تُترجم – في عقولهم - بالمرض أو العلة!

وكيف لا، والتسمية جاءت من الإرهاق أي التعب! وبالمعنى الواضح: إنها مرحلة إجهاد، ليس للجسد فقط، الذي ينمو بشكل متسارع، بل؛ للعقل والعاطفة معا؛ حيث تتزاحم الأفكار والقيم، وتشتد المشاعر وتزيد الانفعالات! هذا صحيح علميًا؛ غير أن التسمية مُزعجة، ولطالما أغضبت الكثير منا؛ فهي تحمل مؤشرات ودلالات سلبية في المطلق، مثلها تمامًا مثل: “سن اليأس”، و”العجزة”، و”المعاقين”؛ إذْ تنتفي كل المعاني الإيجابية، وتضيع داخل مصطلحات غير رحيمة، وغير مبالية، بالأثر النفسي الذي تُخلفه في نفسية أصحابها، والعجب أن مَنْ أطلقها (نفسانيون)!

نعم المرحلة التي يُطلقون عليها “المراهقة” مرحلة تتميز بعدم الاستقرار، وهذا طبيعي؛ فهي فترة انتقالية ما بين الطفولة والبلوغ، مرحلة مُخاضٍ – ليس سهلا في الغالب - وعبور إلى النضج، ولذلك يزيد التركيز عليها تربويًا، ويحرص الجميع منا على مساعدة أبنائه؛ في تجاوز جسرها المضطرب بسلام! ولكن! هذا الهوس الذي يشغل ذهن “المراهق” وذويه، في الانتظار المرّ؛ انتهاء المرحلة، لَهو بحد ذاته قتـل لا واعٍ لأجمل أيام عمر الإنسان!

يا ليتنا بقينا مراهقين! نعيش الحماسات بكل أشكالها، ننفعل، ونغضب، ونضحك كثيرا! يا ليتنا نمتلك طاقات المراهقين، وفُتوّتهم، وشقاوتهم، وتجاربهم، وتحدياتهم، ومنافساتهم، وحرياتهم، وقلة مسؤولياتهم! هذا ما تعلمناه بعد النضج؛ أنَّ ما استمتنا من أجل عبوره؛ كان أجمل أيام حياتنا، وسيكون أجمل عند أبنائنا، لو تعاملنا معه بشكل طبيعي، لا بوصفه حالة خطر! يا ليت المشتغلين بعلم النفس، يبدلون التسمية من (مرحلة المراهقة) إلى (مرحلة الحماسة)؛ لتصطبغ بلون البهجة، والمرح؛ وليعيش كل واحد - فترتها - وهو في تصافٍ، وتهادنٍ، وتأقلمٍ صحي مع نفسه والآخرين حوله، بدلا من توجسه من نظرات الغير التبريرية له، والتي لا ترى فيه سوى مراهق، مُتحسس، ومتأزم، ويعاني ويلات المرهقة!

إلى من يعيشون مرحلة (الحماسة).. هذه صفوة أيامكم، حيث تنبت الأحلام. تعلموا كيف تسقونها جيدا؛ لتثمر في حاضركم، ويشتد عودها في مستقبلكم القريب! إن كل واقع مثاليّ لدى البالغين؛ صنعته أرواحهم في أزمنة سابقة، شبيهة بمرحلتكم الحالية.. لمن تجاوز المرحلة منا: هل أدركتم جماليتها وتمنيتم العودة إليها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية