العدد 3891
الإثنين 10 يونيو 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
الظلال المشتهاة (18)
الإثنين 10 يونيو 2019

وتلك معزوفتي يوم ينكسر شيء في الأعماق غير الأضلاع على حد تعبير الماغوط. وكأن الذي يبقيك معي بين المطر هو شيء مثل ذائقة النوم في عين طفل ناعس، مثل قلنسوة طفل يخفي عن أذنيه أصوات الجن والعفريت.. لتائه يتحرش بالضوء في عتمة ظلام.

شيء مثل ذائقة الخجل في رعشة يد امرأة طاهرة..

‏شيء مثل الخوف من الغول، وصهيل خيول الحرب..

شيء مثل خيفتي من فقر يسلبني من أرستقراطية الكبرياء..

كانت تحتبس الدمع، وهي تواجه العاصفة. يد تخيط بها الجرح، ويد تتحرش بالأمل. تلك قصة رواية “مدام بوفاري” لغوستاف فلوبير، التي قلبت الحياة الفرنسية رأسا على عقب. زوج طبيب وطيب القلب إلا أنه أشبه بقطعة ثلج مهربة من جبال الآلب، برودا... زوج لكنه لا يختلف عن أي آيسكريم مثلج يأكله طفل الزمن، بخلاف زوجته الملتهبة إثارة وعشقا للحياة، المرأة الحسناء الأنيقة. فهو لا تغويه الموسيقى، والأناقة ترهقه، ويكره عالم الديكور، ويرى كل استمتاع بالحياة مضيعة للوقت. حشرت الزوجة في الزاوية الضيقة من الحياة بين روتين قاتل، وبين البحث عن حياة خارج إطار المنزل الذي أصبح كابوسا، وزنزانة بلا جدران.

تلك هي خلاصة الرواية الرائعة للروائي الفرنسي غوستاف فلوبير في رائعته “مدام بوفاري” التي تحولت إلى فيلم رائع. قصة زنزانة المنزل، والبحث عن عشق خارج المنزل. قصة قديمة في الالتفاف على عنوسة الزوجات، والطلاق العاطفي داخل الأسر بسبب وصول المشتركات إلى الصفر، وغياب معطف دفء الحب بين الأزواج، وتعملق وحش اسمه الروتين، لهذا يتحول أحد الأطراف إلى صياد خارج المنزل بقناصة تبحث عن سمكة مناسبة في البحر تحت شعار “قد تكسب في يوم ما شخصا يعادل ما خسرته في حياتك كلها، فالشخص المهم في حياتك ليس الشخص الذي تشعر بوجوده، ولكنه الشخص الذي تشعر بغيابه.

أتذكر أني رتلت عزف البكاء على ضريح الحب قائلا “حاولت عبثا أن أتقلد الجزار في الحب، حاملا فأسي بحثا عن لحم بشري، أزرع فيه طعنات خيباتي القديمة، ووجدت نفسي أقطّع ذاتي لأهبها لمن قادني للجوع دهرا. أنا الحبيب، وإن رآني المحب جزارا، يعجبني المفكر المغربي سعيد ناشيد في بعده الفلسفي للدين. قال كلمة في الدين، استبدلها في الحب أيضا “الحب دواء بكل تأكيد”.

لذلك، يجب تفادي الجرعة الزائدة، وعدم تركه في متناول الأطفال. ويجب التوقف عن استعماله - ولو مؤقتا - حين تظهر بعض الأعراض الجانبية. ما ضر فان جوخ لو تمتع بكوكتيل الحياة؟ لو تفادى الجرعة الزائدة في الحب لكان تمتع بأنهار هولندا بدلا من موت بطيء في جنون صارخ في مصحة نفسية.

وما ضر الموسيقار الروسي تشايكوفيسكي لو كان معتدلا في الحب، واستبدل الانتحار بالتمتع بجمال طبيعة روسيا؟ أليس الموسيقى بديلا عن خناجر الحب؟ وكيف فات النحات العالمي مايكل انجلو أن يكون الفن وهو يرصع الكنيسة بأجمل نحت لديه، طريق الخلاص، أليس أفضل من أن يقوده الحب إلى الضياع؟

كيف أضاع العظماء نِعم الحياة أمام طعنات غدرها، وهم العظماء؟ نحن الساقطين ضحايا أمام تمثال العشق، علاجنا كما عند علم النفس هو الاكتفاء والتشبع الذاتي، والامتلاء بالذات. عندما تحب ذاتك لن تعبأ بالخسارات الدنيوية بشرا أو مالا أو منصبا.

يقول الكاتب الكبير باولو كويلو: إياك ومُطاردة الحُب، فهو إن لم يُعط بحُرية، فلا قيمة لهُ، المشاعر لا يمكن أن تكون بإملاء ولو هددت المحب بمسدس كاتم للصوت. كل شي يشترى إلا صدق الإحساس. وأول الكوارث عندما تعطي البشر “ريموت كونترول” سعادتك على طريقة “أنت النعيم لقلبي، والعذاب له، فما أمرّك في قلبي وأحلاك، أنت بذلك ترفع سعادتك على منصة الإعدام. هو مآلنا في المسلخ: وقلت لها، وهي تخفي الخنجر خلف فستانها: اختصر عليك المسافة والوقت: فلا مكان في القلب، والجسد لطعنة أخرى. احجزي لك مكانا في ظل الجسد، ربما يوجد فيه مكان تبقى، وإن كنت أشك في هذا أيضا. فإذا تفرغ الحبيب من الطعن التفت للظل. في الحب، حتى ظلال الضحية تكون مشتهاة لزرع الجراح.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .