العدد 3830
الأربعاء 10 أبريل 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
المجد‭ ‬والسعادة
الأربعاء 10 أبريل 2019

النزف على ورقة الكتابة شكل من أشكال الحزن، والكتابة نوع من أنواع الصلاة كما يقول الأديب الألماني كافكا. لا أتصيد معاناة العظماء لأصنع جرحًا يتراكم مع كل حرف، وفي كل مقال مأتم أو بيت عزاء، ولكن هدفي في نهاية المطاف أرسو بسفينة الكتابة على شاطئ السعادة، وأننا نستطيع أن نسعد بما عجز عنه عظماء المجد إذا أحسنّا اختيار اقتناص الجمال ببندقية غير صدئة، وبعين تنقض بأهدابها على كل قطعة جمال في لوحة فنان أو فكرة متسللة من فيلسوف أو استلقاء على شاطئ أو انتقاء قطعة لباس فنية أو الطرب لموسيقى كموسيقى موزارت بالنمسا، أو قراءة جمال شعر آرثر رامبو أو احتواء قطعة جميلة من “دولجي اند كفانا” أو “فيلبلين”.

لا وجود لليأس والأمل يتدفق من يد الإله في السماء مع كل زخة مطر، وطيران نورس، ورقصة فراشة زرقاء، أو ابتسامة زهرة، أو حفيف شجر، وخرير ماء.

سعدت برؤية لوحة الموناليزا في متحف اللوفر بباريس، وتماثيل مايكل أنجلو على صدر إيطاليا، ومسرحيات شكسبير في لندن، ولوحات دالي باسبانيا، وفلسفة نيتشه بألمانيا، فإن هم حزنوا واكتأبوا فلنسعد بإنجازات مجدهم، ولنتعشق السعادة فربما يسعدون في جنتهم عند رب رحيم.. وأتعجب من عظيم مجد كيف يكتئب، والله وضع بين يديه كل هذه الصلوات الجمالية، فكيف يكتئب بيتهوفن في النمسا، وهي تمتلك أجمل لون للطبيعة في زلامسي، وكيف يحزن دافينشي في إيطاليا المليء بالجزر المرصعة بأجمل السواحل؟ وكيف للوركا أن يفترسه الوجع وبجواره كل أرياف برشلونه، أو يكره جان جنيه باريس وهي تتنفس الجمال، وتضحك عطورًا وفلسفة وأناقة وتاريخا عريقا مزدانا من روسو وفولتير، وغستاف لوبون وغستاف فلوبير؟

وكيف لفان جوغ أن ينتحر بسبب حب، وهو في هولندا الأنهار الراقصة على خريطة امستردام أو يفوت الأديب الأميركي همنجواى كل شلالات كندا وجمال لوس انجلوس، وميامي؟ هناك خلل في أصحاب المجد بأن يختصروا الحياة في زاوية، وينسوا بقية زوايا الجمال. المكتئب أغفله الحزن عن جمال الوجود المتنوع، وحصر نفسه في زاوية ضيقة، وقراءته ناقصة في فهم الحياة، فلا أحد بلا ألم أو وجع، وكي تقضي على الوجع تحتاج إلى علاجه من جمال آخر.

مهما كان خذلان الحب أو الصديق، فإن الله خلق ثمانية مليارات إنسان. إن أكبر مشكلة لدى عظيم المجد هو رؤيته وفلسفته الناقصة للوجود، وحشر ذاته في زاوية واحدة وزقاق لا يخرج منه، فمن تعلق بحبيبة قتل نفسه، ومن لا يرى وجوده الكبير إلا في منصب أو مال أو شهرة فقد ظلم نفسه وأساء الظن بربه واختصر حياته في مخدع جمالي. يقول درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

كن كالنورس، فرغم غربته وترحاله يجد فرحه في تعدد المواني والشطآن، كن كعلي أحلى لمسات الجمال عنده اللمسة الإنسانية. إشكالية اكتئاب العظماء هو هوس التعلق، وجنون الارتباط إما في حب أو منصب أو شهرة أو فلسفة، والإمام علي يقول”استغنِ عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره”، و “أكثر مصارع العقول تحت بريق المطامع”.

إذن صفّر أهمية الأشياء، كما يقول فاديم زيلاند، وتمتع بالحياة دون أن تسجن بمجد أو بريق منصب أو هوى حب أو لمعان مال أو أضواء شهرة أو هوس كتابة. مع الإيمان بالله ستنبت على خنجر الحياة زهرة سنديان، ويستحيل الدم لونًا أخضر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية