كبير أنت يا علي، يا صوت الإنسانيين الخالد، وأنت تورق الحجر تغنج زهر وضوء شمس وابتسام قمر. هنا يتلمّس الإمام علي عليه السلام وجع الناس بريشة فنان يلون الجمال بألوان الحكمة، يوصي مالك الأشتر بتطبيب جروحهم، وأن يكون منحازًا لوجعهم قائلاً “فَلْيَكُنْ صِفوك لَهُمْ، ومَيْلُكَ مَعَهُمْ. واعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ منها: الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ والْمَسْكَنَةِ، وكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ ووَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَو سُنَّةِ نَبِيِّهِ”.
فلابد من تشريع قانون مؤنسن يؤنسن طبيعة التعامل في هيئة الكهرباء والماء مع ذوي الحاجات، والذين سجلوا عقدًا مع البؤس، والفقر، فما لا يعجبني في قوانين أوربا هو توحش التطبيق حتى على الفقراء. وهذا ما دفع الكاتب الروسي تيلستوي رغم أنه من طبقة وأرستقراطية باذخة، والأديب الفرنسي جان جنيه في دعوته للعربي بكسر المرآة التي يرى فيها صورة الغرب لنفسه وفي نقدهما الافتراس الأوربي للطبقة المعوزة في بعض مظاهرها.
وقال الإمام علي عليه السلام “ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى، مِنَ الَّذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ: مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَ “شدة الفقر” والزَّمْنَ “أصحاب العاهات”؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعًا ومُعْتَرًّا. واحْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ”. “واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْمًا تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِسًا عَامًّا فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ”. وهنا دعوة واضحة لأي وزير من النزول من عاجية النرجسية أو الحديث مع الناس من فوق “البلكونة” إلى الجلوس معهم، ونزع فتائل قنابل الحزن من داخل قلوبهم بإجراءات ترفع من مستوى معيشتهم كالتوظيف والإسكان والمزايا التقاعدية وهموم الصيادين وتأمين سواق الأجرة واستبدال سوط الضرائب إلى معاملة عادلة.
إن دورنا كمثقفين وصحافيين ونواب الاصطفاف مع قروح عاطلين تحولت إلى جبال، ولعل الذي جعل رواية فيكتور هيجو البؤساء تصبح إنجيل فقراء فرنسا في تلك الحقبة هو نقده لنوم الفقراء بين أسنان أسماك قرش المنتفعين. هذا يقودنا إلى بعض الشركات البحرينية التي تقرض المواطنين بمصيدة تسهيلات الإغراء بفوائد تجرد البحريني حتى من لباسه ولابد من مراقبة مصرف البحرين المركزي، وهذا يقودني لرواية لوليام شكسبير (تاجر البندقية) في فينس وهو يصوّر التاجر الطيب والتاجر الجشع، فهل تتحوّل البنوك في البحرين في فوائدها إلى طيبة “انطونيو” التاجر في البندقية ذي القلب الطيب الكريم.. كان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون أن يحصل من المقترض على ربا أو فائدة بخلاف التاجر اليهودي “شيلوك” الذي يستغل حاجات الناس.
خذوا فوائد لكن بطريقة منطقية. إن ترك شهادات الصين تتعفن في أدراج المكتئبين من أبنائنا يعكس صورة غير حضارية، فالحياة مليئة بالسخرية، كما يقول برنادشو، مسؤولون بشهادات وهمية، وأطباء يتوسدون تكايا من زجاج مدبب.
كم طبيب ما زالت عينه تسفح دموعًا حزنًا على جدوب أمله؟ هذا الوضع يجب أن يتغيّر. بعض المسؤولين يتهمونني أني أنثر الملح على الجروح النائمة. إن دور الكاتب أن يضع سماعة الطبيب على جسد الوطن ليقيس مستوى النبض ليضع العلاج لا التزوير في “رشتة” الدواء.
هنا نقدّم الشكر لسمو رئيس الوزراء (حفظه الله) على البرنامج الوطني للتوظيف على توصيات اللجنة الأخيرة، هذه القامة الوطنية، صانع الجمال ما فتئ منحازًا لهموم الناس، لهذا يمتلك مجد أرصدة دعاء المحتاجين، ولمعان منجم حب، ونقدّم الشكر لسمو ولي العهد الذي مازال يتسلق الأمل على سواعده كتسلق السحاب والمُزن على ساعد السماء فرصًا ذهبية لأعين عاطلين مازالت ترمق القمر. مبادرتكم أنعشت قلوب الناس وتلقوها أدعية قداس، وتراتيل صلاة، فدمتم خير قيادة لخير شعب.