(ما للشدايد إلا أهلها)، مَثَلٌ نردّده في مواضع عدة لأنّنا تربّينا عليه، واليوم نستحضره في ظلّ ما يشهده محيطنا الإقليمي من توتّرات من شأنها زعزعة الأمن، لِنقول لأهل هذا الوطن: ليس الوطن عنوانًا وجنسية، الوطن موقف ظاهر وباطن يتجلّى في الشدائد، الوطن شعب ومجتمع ملتفّ حول قيادته، ومَنْ لم يعزّ وطنَه سيذلّه الزمن.
لقد انتهجت مملكة البحرين نهج التسامح؛ كونها وطنًا يضم شعبًا متعدّدًا ومتنوّعًا، وفتح أكفّه لمن عاش فيه بضمّهم في كنف المواطنة الحقّة ومنحهم حقوق المواطن بعدالة ومساواة وكرامة دون تمييز، وله علينا ألا يعلوَ عليه شيء، وَيُنظَر إلى التعدّد في معظم الأمور على أنّه مقاربة محمودة تثري التنوّع وتحفظ التوازن في المجتمع، إلا أمرًا واحدًا يُعَدُّ التعدّد فيه جريمة وخيانة: الازدواج في الانتماء والولاء؛ فلا ولاء إلا للوطن ولا انتماء إلا إليه ولاء خالصًا لا تشوبه شائبة. ومن فطرة الإنسان أن ينتمي إلى وطنه، إلى الأرض التي وُلد فيها، وترعرع بين ظهرانيها، وتمتّع بخيراتها وأمنها ورخائها، وشَدَّته إليها أواصر تاريخية تتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل، وعند المحن أو وقت الخطر يذود عنها أبناؤها المخلصون.
لذا لا نقبل ولاءً آخر ولا انتماء آخر أعلى أو حتّى في نفس مستوى الولاء للوطن؛ ففي ذلك ضرر وتضارب مع توجهات الوطن ومصالحه، وفي ذلك أيضًا تعارض مع الفطرة، وَمَنْ لم تُقوِّمه فطرته رفضه الشعب وقوّمه القانون. واليوم نواجه خطرًا محدقًا بالمنطقة، وكلّ انتماء أو تأييد لأيّة جهة أو طرف نابع من عقيدة أو انتماءات عرقية يخترق قيم المواطنة ويؤجج الفتنة سيُواجَه بالقانون.
فقد ورد في المادة 23 من ميثاق العمل الوطني (الباب الثالث - الحقوق والواجبات العامة) بأن حقّ التعبير عن الرأي بالنشر بالقول أو الكتابة أو غيرهما مقيدان بعدم المساس بوحدة الشعب وبما يثير الفرقة أو الطائفية.
إنّ الولاء والانتماء شعور وجداني ونتيجة حتمية لكل ما يقدّمه الوطن للمواطن، والانحراف عن ذلك ليس حرية وتعدّدية، بل هو جريمة تخلّ بالأمن الوطني لأيّ مجتمع، وتشقّ الصفّ، وتسقط الأقنعة، وتستلزم - تبعا لذلك - التدخّل القانونيّ لرصد المخالفين ومحاسبتهم. وفي هذا السياق تشكر وزارة الداخلية على جهودها في إطار رصدها ومتابعتها المخالفات والجرائم الإلكترونية باتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه أي انتهاك.
كاتبة بحرينية وباحثة قانونية