العدد 3481
الخميس 26 أبريل 2018
banner
ومن بعد الـ Data تأتي الـ BIG DATA
الخميس 26 أبريل 2018

في 1999، أنشأت أول بريد إلكتروني لي على الهوتميل... حسناً سأعيد ترتيب الجملة السابقة: في تلك السنة طلبت من صديق لي بصفته “خبيراً” في الكومبيوتر أن ينشئ بريداً إلكترونياً لي، وصار ينتقل بين النقاط والخطوات، ووصل إلى ما إذا كنت أرغب في وصول النشرات الإخبارية من عمالقة صناعة التكنولوجيا إلى بريدي، فقلت بنشوة غريبة: “طبعا طبعا... من يرفض أن يكون مطلعاً على الجديد؟!”، ردّ: “إنها ستكون أكثر من أن تقرأه”، قلت له: “هل جننت؟! سـألتهمها التهاما”، فدمدم صاحبي: “كما تشاء”.

ما هي إلا أسابيع قليلة، حتى كنت أبحث عن “الخبير” ليوقف تدفق رسائل هذه الجهات التي ما عدت أعرف كيف أتعامل معها، فلقد فاضت عليّ حتى ما عدت أستطيع مجرد محوها من البريد صغير السّعة. فلقد كنّا – كجزء من البشرية - ننتج أغاني أقل، وكتباً أقل، وأفلاماً أقل، ونظريات أقل، وانقلابات علمية أقل وأبطأ، نستوعبها أولاً، نلوكها، نهضمها، نتحدث فيها حيناً من الدهر ريثما يأتي ما يحلّ محلّها، حتى تسارعت المسألة شيئاً فشيئاً، وكنا قادرين على الملاحقة بتسريع خطواتنا، والمزيد من التمارين الفكرية، وقلنا بالتخصص لأننا بالكاد نعرف تخصصاتنا، ولكننا ما لبثنا أن عدنا إلى ما كان يعمله أجداد الأجداد من أهمية الدخول إلى جميع العلوم، وذلك لأن العلوم مترابطة ومتداخلة أكثر مما نتصوّر، فتراجعنا عن المعرفة الأحادية في التخصص، ولكن المنتج الكمّي من البيانات يتضخّم يوماً بعد يوم، وهذه ليست صيغة مبالغة، ولكنها حقيقة: يوماً بعد يوم، حتى ليقال: إن البشرية أنتجت 5 مليارات غيغابايت من البيانات منذ بدء الخليقة حتى العام 2003، ومنذ العام 2003 وحتى اليوم، والبشرية تنتج 5 مليارات غيغابايت من البيانات كل 10 دقائق! هل علينا إعادة قراءة الجملة السابقة مجدداً لنعلم أيُّ بحر من البيانات الهائلة الذي نحن فيه سابحون؟! أيضاً سأعيد من جديد ترتيب الجملة، لأتساءل عن هذا البحر المتلاطم البيانات المسمى بالـ Big Data الذي نحن وسطه، هل نستطيع ركوب أمواجه والنجاة، أم أنه سيغرقنا لأننا لم نجهّز سفننا كما ينبغي، ولم ننتخب من النوتيّة والبحّارة والملاحين المهرة من يمكنهم أن يعبروا بنا هذا المحيط الجنوني الذي يتسع ويتسع وتتلاطم أمواجه.

في محاضرة للدكتور غسان مراد المتخصص في “الإنسانيات الرقمية” قدّمها في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي الحديث في دبي، وصّف واحدة من مشاكلنا المستجدة التي تطل برأسها علينا وهي توافر المعلومات الضخمة، والعالية الضخامة، والمتناهية الضخامة، ولكن هل نحن مستعدون للتعامل معها، والاستفادة منها؟! مراد استشهد بقصيدة فيها جرعة عالية من الألم والمفارقة للشاعر الإنجليزي صاموئيل كولردج (1772 - 1834) بعنوان “أنشودة البحّار العتيق”، يصف فيها سفينة انقطعت الريح عن أشرعتها وهي في عرض المحيط، ومات جميع البحّارة إلا واحد نجا وعاد ليروي ما حدث، ليقول: “ماء... ماء... ماء، ماءٌ في كلِّ مكان، لكن ليس من قطرةٍ واحدةٍ تصلح للشرب”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .