أبا سلمان، تلك هي قصتك، وهذه هي أرضك، وذاك يراعك، فلم تكن المنامة ذات يوم منجم انقلابات في المنطقة، ولم يعرف عن حكمك تصدير ثوراتج تخريب، أو خنر مخبأ خلف ابتسامات؛ لأنك زعيم لم تؤمن بنظرية البندقية في التغيير، فلم تنظر لبلشفية شيوعية، ولا قومية ضيقة، ولا إيديولوجية كهنوتية تبني زنزانات مذهبية، أو تصدر إسمنتا لاهوتيا.
لم تختبئ كلماتك خلف خطاب ديماغوجي، مدعيا ولاية كونية إيرانية، أو طريقة صوفية ضيقة “عدوية”، أو صاحب مدرسة انكشارية عثمانية متكلسة مسلطنة، أو مذهب لائكي لا أدري، أو علماني بنكهة راسل أو وجودية بطعم سارتر، أو قومية شوفينية تستمرئ كل لون إلا اللون العربي، لم تروج لنهاية رأسمالية للتاريخ تحت نظرية فوكوياما؛ لأنك باختصار آمنت بحضارة وفكر بناء الدولة والمؤسسات، وتوزيع السلطات من منطق جان جاك روسو، وبفكر تسامحي كفولتير، ونقدي كديكارت، فأين هو الانقلاب، وفكر طعن الجار؟
فمن كان هذا قاموسه، فهو السلام والإنسانية لو يعلمون، فرغم امتلاكك كل أدوات المواجهة إلا أنك آثرت التصدي للسكين بلغة الياسمين بمنطق نزاري، غير عابئ بنظريات ميكافيللي وأنت القارئ للتاريخ والأمير، وساكن قلاع حكمه، وعارف دهاليزه.
صعب عليهم يرونك تلون المنامة بألوان شعر بولدير، ودافينشي وجماليات وايلد، لهذا حاربوا مشروعك الإصلاحي، وهو جنين في رحم الأرض.
كان الهدف استنزاف رصيدك في الوطن، وفي المنطقة، وإجهاض مشروعك التنويري بالتشكيك تارة، وبشيطنة مؤسساتك تارة أخرى؛ لأنك قدت انقلابا للمفاهيم، ودشنت وحدك ربيعك الحمدي قبل ربيعهم، وحق السبق يكثر الحساد، ولو كانوا أولياء.
كسرت إيقاع ربيع انقلاب الميادين، واللعب على غرائز الجماهير للانقلاب على ديمقراطية بلعبة خطرة نزعت فتائلها، وأعطيت الرومانسية السياسية إجازة طويلة الأمد؛ لإيمانك بالواقعية المقاتلة وبمقولة أنشتاين (كل شي ثابت حتى يراقب)، ففرضت الديمقراطية تراقب الإنجاز، وبدأت بإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة، ونظفت السجون، وأسست الديمقراطية، والنقابات، والحريات العامة، وفتحت ذراعيك أنت، وسمو رئيس الوزراء، وسمو ولي العهد لـ “ثوار” الأمس كي يدخلوا الدولة، وينخرطوا في بناء الدولة، ودعمت مشروع قانون الأسرة لعملقة حقوق المرأة، وإشراكها في الانتخابات، وأسست مجلسا أعلى للمرأة يترافع عن المرأة بما في ذلك المحاكم، ومجلس أعلى للطائفتين، وأدخلت أعضاء مسيحيين ويهودا بالشورى؛ لتكفل للأقليات حقهم مؤسسا ضمانات للديمقراطية نفسها كي لا تتعملق نرجسيتها على حساب الأقلية، وقمت ببناء جوامع للطائفتين، وأسست مشروع شرطة المجتمع، وقمت بمشاريع اقتصادية كبرى، واشتغلت على البنية التحتية، وبناء جسورا ونواديا نموذجية، ودشنت مؤسسة ملكية لليتامى، ومشروع البيوت الآيلة للسقوط، ودعمت العاطلين بدعم شهري، ورسخت مشروع “تمكين” لتدخل المواطنين وصغار التجار في العجلة الاقتصادية، وفتحت الجمعيات السياسية إلخ.
ورسخت حاجات هرم ماسلو لحاجات المواطن من مدن إسكانية ضخمة ذات إطلالات بحرية، وكسرت احتكار الشركات، ودشنت، فإن كان هذا هو الانقلاب، فما أجمله من انقلاب؟
الانقلاب تخريب وأنت امتداد خير للبعيد فضلا عن القريب لكنها السياسة، والمصالح الضيقة التي تجيد الرقص مع قنبلة العدو على قبلة الحبيب، واللعب بذيل النمر على التعثر بجناح فراشة سلام.
وبماذا قوبلت؟ مشاريع حروب على جميع المستويات، سيوف إعلامية مسلطة، توحمت على لحم الإنجازات، خطابات منابر مشككة بنظارات سوداء، بيانات ثورية تحريضية، سفارات شغلها الشاغل تنخر كالسوسة في شجرة الوطن، بين قنوات محلية مدببة، وعالمية تلقي سموم التقارير، وهياج حناجر زعماء خلف الحدود، تستدعي التاريخ المقلوب، لتأليب شباب يافع، تقوده للمسالخ، وأخرى تدعي بانقلابات على حقائق التاريخ أن البحرين ملك لها.
حدث هذا قبل ربيعهم العربي، حتى جاء الانقلاب الكبير بـ “ربيع” عربي على توازنات، وشرعية تاريخية الحكم. فمن الذي فجر الانقلابات؟ من الذي حول الحدائق إلى حرائق، والجسور إلى قبور، والشقائق إلى مشانق، والشموع إلى دموع، وعظم شهادات الوفاة على الشهادات الجامعية، هذا وولي عهدك يرسل البحرينيين زرافات للدراسة في الخارج دون النظر للمذهب، وعند الانتحار الكبير، استدعاك الوطن لتوقف النزف ليكون عزفا، وتوقف انزلاق الأرض نحو الهاوية مترنحة بين المفاجأة والمفاجعة لـ “معارضة” بلا ذكاء سياسي “حاولت تناول جرعة مهدئة للقلب من مسدسها بالانتحار” وبالانقلاب على شروط البرلمان، والالتصاق برصيف أعزل مع الاعتذار لغادة السمان.
أبا سلمان، صنعت قدرا آخر، وقد انقلبت الأسطورة على شروطها، فلا نجم سحر ولا ضحكت العنقاء. أقول لك، لملك يقتفي أثر البطولة، ويعاقب الحجر بالعمران، لينجي وطنا، فما امتشقت بندقية، والبلاد محاطة ببنادق إقليمية وخناجر دول، ولهيب حريق وحرائق، امتشقت ريشة وخريطة، فلونت البحرين بلغة جبرانية، بين بشر هم رجلان: مستيقظ في الظلام، ونائم في النور.
لست أنت من يقود الانقلابات، فما يوم تورطت مؤسسة من مؤسسات جزيرتك في تسريب عود كبريت بخريطة، أو تقرير نار يشحن خليقة، أو يخفي خنجرا لدولة صديقة.
من أعراض مرض الانقلابات تفريخ ميلشيات، وأنت بنيت مدارس ومعاهد في مصر وفلسطين، أو دعم صحف أو قنوات مأجورة لزعزعة دول، وخطاباتك كلها رسائل “تولستووية” في الحرب والسلام، للغريب قبل الجار.
وسعيت لمد جسر مع قطر، وكل الخليج والعرب، فلم تدعم لا حركات شيوعية ولا إخوانية ولا سلفية شيعية ولا سنية، بل دعمت فكر الإنسان لأجل الإنسان. ولكن كما يقول محمود درويش الصدق اغتراب.
إنها قدرية العشق البحريني، ومتلازمة الحب الأبدي كديمومة كون، ودوران أرض وخلود مجد وطن.
حمد أنت أينما أناخت ركائبك كان مطر ومزن. تلك هي حيلة العاجز، رمتني بدائها وانسلت فإن كنت ظمآنا، فلا نزل القطر.