العدد 3348
الخميس 14 ديسمبر 2017
banner
عزيزي المواطن... هل نحن فاسدون؟
الخميس 14 ديسمبر 2017

وكأنني قرأت هذا العنوان في مكان ما، فليعذرني كاتبه الأصلي في سبيل طرح السؤال على الإخوة المواطنين، ذلك أن الكثير من الناس، ما إن يخرج علينا ديوان الرقابة المالية والإدارية بتقريره السنوي، حتى يترك الجمع كل ما بأيديهم ويبدأون المرور السريع بأعينهم على السطور الملتهبة بالأرقام الثقيلة التي تتجاوز المئات من الآلاف من الدنانير في بلد يعاني من ضائقات مالية، ويجدونها قد تسرّبت هنا وهناك، وصُرفت في غير محلّها، أو من أموال لم تحصل، ونقود لم تسترجع، وجهات حكومية لم تؤدّ التزامتها، وأخرى أدّتها ولكن خارج الحسابات والقانون، وهنا يبدأ سيل الدموع والبكائيات على ما فرّطت به المؤسسات، والسؤال عن الفاسدين، ومن يتحمل المسؤولية، ومتى سيكون تقرير ديوان الرقابة المالية لا يتجاوز حجم “دفتر أبو 40 ورقة”، ومتى سيخاف المستهترون بمقدّرات الوطن من يومٍ شرّه اقترب؟!

هذه التساؤلات التي يطرحها الجمهور تحتاج إلى تساؤلات يتبادلها الجمهور نفسه عن مدى فساده هو أيضاً، أي فساد الناس أنفسهم في معاملاتهم اليومية، وفي تعاملهم مع المال العام في الأساس، وكيف يستخف الكثير منهم بما يجب عليه عمله. فكم من تضييع يومي في ساعات العمل بين اللا عمل، والتسكع بين المكاتب للدردشة، والسلامات؟ كم من هذه الأوقات تنفق على تناول الوجبات الجماعية بشكل يومي لمرتين على الأقل: الإفطار المتأخر والغداء المبكر، والمبالغة كذلك في أداء الواجبات الدينية في ما قبل الصلوات وما بعدها، مع النوافل... وكم يسترق الموظف من الأوقات الرسمية للذهاب لأداء واجب العزاء الذي يمكن أن يؤديه في وقت آخر خارج الوقت المخصص للعمل والإنجاز، وكم موظف يسترق ساعات العمل من دون أن يعوّضها، وكم موظف يستحلب جميع إمكانيات الحصول على الإجازات بغير وجه حق، وكم من موظف لا ينهي السنة إلا وقد حرص على إنهاء جميع الإجازات المرضية وإن لم يكن مريضاً، وكم من مسؤول انفرد برأيه فتسبب ذلك بخسائر تبدو غير مرئية وتافهة ولكن العبرة ليس بحجم الإسراف والتبذير، بل بالمبدأ نفسه، وكم من موظفة لها ساعتا “رعاية”، فتتحول إلى ثلاث وأربع ساعات والحجج كثيرة، وكم منهن ادّعت مرافقة ابنتها المريضة، أو ابنها الذي صحا على مغص، متهربة من المساءلة عن التغيّب، وكم من الموظفين من أتى بشهادة وفاة مدّعيا أنها لقريب من واحدة من الدرجات، وكم منهم من طبع من أوراق العمل، بأحبار العمل الصفحات تلو الصفحات لشأنه الخاص، وكم موظف سجّل عملاً إضافياً من دون وجه، وكم منهم أساء استعمال أدوات المؤسسة حتى تلفت وذلك بالإهمال والرعونة المتعمدة كونها مالاً عاماً و”مال عمّك ما يهمّك”.

لو جُمعت كل هذه المخالفات، وما فات ذكره، لوجدنا أن الأموال المهدرة ربما لا تقلّ عن تلك التي تسطّر في الأوراق، فالتغيّب عن العمل في بريطانيا يكلفها 13 مليار استرليني سنوياً، وتقع كلف سنوية باهظة على الدولة بسبب العطلات والتعويضات، بينما هناك تسابق ممجوج لاستدراج المزيد من العطلات السنوية للموظفين وشرعنتها، والأغرب من ذلك أن هناك شعورا عاما بعدم “حرمة” هذه التصرفات على اعتبار أن الراتب الشهري حلال مصفّى، وأن المسؤولين فقط هم السارقون والذين لابد من محاسبتهم!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية