+A
A-

قطر بين شقي رحى..أزمتها الداخلية المضاعفة

تعيش دولة قطر أزمة حقيقية غير مسبوقة منذ قيام عدة دول بقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية معها، بسبب سياساتها المهددة للأمن القومي العربي والاستقرار الإقليمي، وعلى الأخص دعمها وتمويلها للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وإيوائها للمطلوبين أمنيًا، وإثارتها للفتن الطائفية والاضطرابات، وتدخلاتها الأمنية والإعلامية في شؤون الدول الخليجية والعربية، وبخاصة في البحرين ومصر والعراق وليبيا واليمن، وغيرها.
ويبدو أن نظام الحكم القطري في ورطة تاريخية أصابته بالتوتر والتخبط في سياساته ومواقفه وصولاً إلى استقوائه بالخارج، واستجدائه تعاطف الشعوب الأخرى بادعاءات باطلة، وترويج الأكاذيب عبر قنواته الإعلامية ومنصاته الرقمية، التي لم تنجح في دحض الأدلة والوثائق على تورطه في دعم التطرف والإرهاب، وتآمره على أمن واستقرار دول الجوار الخليجي، وآخرها المكالمات الهاتفية المسربة لمستشار أمير قطر مع أحد الإرهابيين في البحرين إبان أحداث عام 2011.
وقد أخذت أزمة الدولة في قطر في التفاقم على عدة مستويات، سيما على الصعيد السياسي، وأثرت سلبًا على سمعة النظام هناك في ظل التضامن العربي والإسلامي مع القرارات السيادية الخليجية والعربية، والتفهم الدولي لها، والتي جاءت بعد استنفاد كافة الجهود لثني الدوحة عن تجاوزاتها وإضرارها بمسيرة العمل الخليجي والعربي المشترك، وبعد نكثها للعهود تلو الأخرى، وانتهاكها للمواثيق والاتفاقيات الخليجية والعربية والدولية، وآخرها اتفاق الرياض عام 2014، والبيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية الأميركية بالرياض بتاريخ 21 مايو 2017 لمكافحة الإرهاب.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تواجه قطر أزمة مضاعفة، خاصة في ظل المخاطر المتنوعة الناتجة عن قطع العديد من الدول العلاقات وإغلاق الحدود معها، وما لذلك من تداعيات سلبية على أنشطة الطيران المدني والسياحة وحركة التجارة الخارجية وجذب الاستثمارات الأجنبية، وأثرها المباشر على خفض التصنيف الائتماني للدولة ومؤسساتها، وتراجع قيمة العملة وأداء البورصة، واضطرار الحكومة هناك إلى السحب من أرصدتها وصناديقها السيادية لتعويض نقص السيولة النقدية، فضلاً عن آثار المقاطعة الواضحة على قطاع الإنشاءات والتي ستنال بالتأكيد من قدرة قطر على تنظيم واستضافة فعاليات كأس العالم لكرة القدم 2022، لاسيما مع اعتمادها في استيراد مواد البناء على الشاحنات القادمة عبر حدود المملكة السعودية الشقيقة.
ولا شك أن هذه الأزمة العميقة بأبعادها المختلفة، السياسية والاقتصادية، التي ورطت فيها الدوحة نفسها ستلقي وربما ألقت بالفعل بظلالها على الشارع القطري، ومن المتوقع أن تشهد الساحة القطرية خلال الفترة القادمة تناميًا في الغضب الشعبي والمعارضة الوطنية لهذه الممارسات غير المجدية للنظام الحاكم نتيجة لتبديد ثروات الشعب وأموال أجياله القادمة على دعم وتمويل التطرف والإرهاب، والإساءة لعلاقات البلاد بأشقائها في المنطقة، والإضرار بمصالح الناس الاقتصادية وعلاقاتهم الاجتماعية مع أسرهم وعائلاتهم وإخوانهم في دول الخليج الأخرى.
وبالرغم من دخول أزمة قطر بتداعياتها المختلفة أسبوعها الثالث، وبدلاً من الاستجابة لجهود ومبادرات الوساطة الكويتية، وإعادة بناء الثقة في إطار البيت الخليجي الواحد، والحرص على مصلحة الشعب وموارده الوطنية، لا يزال النظام القطري محاصرًا نفسه بين مطرقة الأزمة الداخلية بأبعادها المختلفة وسندان التوجه نحو "تدويل" هذه الأزمة أملا في الهروب من مأزق قطع العلاقات معه التي تسبب فيه برعونته، وما زال يصر على التمادي فيها عبر التعاون مع إيران ورفع مستوى التعاون والتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني تارة، وتوتير الأجواء في الخليج العربي دون مبرر تارة ثانية، والمتاجرة بالقضايا الإنسانية دون وجه حق تارة ثالثة، والرهان بشكل خاطئ على كسب مزيد من الوقت الذي لن يزيد أزمته إلا تعقيدًا وسيكلفه المزيد من الخسائر تارة أخرى.
ولا يبالغ كثير من المراقبين عن التأكيد على أن أزمة قطر مع أشقائها مرشحة للتفاقم، وستعمق من عزلتها في محيطها الإقليمي والدولي، ما لم يحتكم النظام هناك إلى لغة العقل والحكمة، ويتوقف عن مواقفه المناهضة للإجماع الخليجي والعربي، ويتخلى عن سياسة المكابرة والخداع والمراوغة والازدواجية، ويدرك جليًا خصوصية العلاقات التاريخية بين الشعوب الشقيقة، لاسيما في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأن هذه الرابطة الأخوية قادرة على إحباط أي مخططات تخريبية وهي الأبقى والأقوى من أي تحالفات خارجية على حساب أمن واستقرار دول المنطقة وشعوبها.