العدد 2739
الخميس 14 أبريل 2016
banner
للحروب نكهة لا نفهمها...
الخميس 14 أبريل 2016

إن الذاكرة تذهب دائما إلى ما حدث في الحرب الأهلية اللبنانية حيث يكون القتال على أشدّه أحياناً، والقصف لا يوفر أحداً، وتجد مقاتلين ينتقلون من هذا الطرف إلى ذاك، ومن هذا الحزب إلى ذاك، وتجدهم في الليالي الهادئات يكادون يبكون على أكتاف بعضهم البعض لشد ما يعانون من ضغوط الحرب وأصوات البارود والمتفجرات، والأشلاء والدماء والبنايات التي تتساقط على الأبرياء الذين فقدوا نوقهم وجِمالهم في ذاك العبث الذي لا يزال يرقبهم عند كل منعطف، ونهار اليوم التالي يتواجه الفريقان دكّاً وقصفاً، وتمثيلاً أمام كاميرات الأخبار التلفزيونية، إذ يمثل بعضهم أنه من الشجاعة بحيث يظهر من وراء الجدران ويطلق زخات من رشاشه في اتجاه ما، عليك أن تتخيل “العدو” في الطرف الآخر، ولكن العدو أبكم لا يرد، ويعود المقاتل للاحتماء سريعاً.
مع اختلاف الزمان، فإن الحروب لها وقعها الخاص، ومزاجها الذي لا يمكن لأحد أن يتوقعه في الأحوال العادية، في بعض الأحيان يمكن تشبيه ما يجري في الحرب، وخصوصاً أيام الفرسان والنبلاء الذين انقرضوا مع ظهور البندقية والبارود؛ بما يجري في ساحات أخرى مثل كرة القدم حينما يكون الجمهور أكثر حماساً وعدائية واستعداداً للجنون أكثر بمراحل من اللاعبين أنفسهم. أليس هذا ما يمكن أن يشار إليه في الروايات التاريخية بشأن صلاح الدين الأيوبي وعدّوه ريتشارد قلب الأسد، وهما اللذان تحاربا 15 عاماً، فإنه عندما أصيب ريتشارد قلب الأسد في إحدى المعارك اصابة بالغة، أرسل له صلاح الدين طبيبه الخاص الذي ساعده على الشفاء منها. وفي بعض الروايات يقال إن صلاح الدين تسلل بنفسه ليلاً بين جيوش “الفرنجة” وهو من باشر علاج عدوه في خيمته. بل وخلال معركة يافا التي انتصر فيها ريتشارد، خسر ريتشارد حصانه، فأرسل له صلاح الدين حصانين. كما كان صلاح الدين يرسل لغريمه الفاكهة، واقترح ريتشارد على صلاح الدين ان يزوج أخته لشقيق صلاح الدين... حسناً، ما الذي يمكننا – كمتفرجين – أن نسمي هذه العلاقة بين الطرفين؟ ربما هي نوع من التحدي الذي لا تكتمل دائرته إلا إن كان الخصم في الجهة الأخرى قوياً مكتمل الأسباب، حتى يكون الفوز عليه فخراً وبطولة، ولكن ماذا عن كلفة هذا النبل من البشر الذين يمكن تجنب قتلهم فيما لو جرى إنهاء الحرب في وقت أقل، أي بضحايا أقل؟!
وبالعودة إلى الوراء أكثر من خمسمائة عام، أو ما يزيد عن نصف مليون يوم من الآن، سنجد مشهداً يتسم بالغرابة أيضاً، وهو من المشاهد التي تستحق التوقف عندها في علاقات المتحاربين، وذلك عند بداية المواجهات بين الحسين بن علي (رضي الله عنهما) وجيش ابن زياد، ولم تكن المعركة قد بدأت بعد، فكان الحسين يصلي بالفريقين معاً إذ حانت الصلاة، بمعنى ما إن تنتهي الصلاة حتى يستعيد الطرفان مكانيهما، وربما شعورهما من بعضهما البعض، ويحدث بعد أيام قليلة أن تجري المعركة في العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة، للعاشر من الشهر العاشر من العام 680 للميلاد، ويقتل المصلون إمامهم.. ربما المصلون أنفسهم، ربما فريق آخر غيرهم، خصوصاً أن قائد تلك الكتيبة (الحرّ بن يزيد) قد انضم إلى الحسين متحولاً من معسكر إلى معسكر... ولكن العبرة أن تعادي أو تناوئ شخصاً أو جيشاً، وتستعد لقتله إن أتت الأوامر... وحين الصلاة تخضع لإمامته!
قد يشقّ على غير الداخلين أجواء الحرب، غير المصطلين بنيرانها، غير المارين يومياً بين الرصاصة والرصاصة، أن يدركوا نفسية العيش اليومي تحت هذا الضغط الهائل، وتطويع النفس على الاستمرار في الحياة بشتى الطرائق، لنكتشف أحياناً أن مشاعرنا في الحياة الوادعة مغطاة بطبقة سميكة من البلادة والأنانية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية