العدد 1462
الإثنين 15 أكتوبر 2012
banner
أم البنات
السبت 04 مايو 2024

كان الله في عونها “أم البنات”، فهـّم البنات إلى يوم الممات، مثلٌ تعرفه كل الشعوب العربية وتؤمن به وتشرح معانيه، وليس المقصود فيما أرمي إليه في هذا المقام النظرة الدونية السائدة للبنت والمتأتية من الثقافة الجاهلية وليس الثقافة الإسلامية، لأن الثقافة الجاهلية كانت تعتبر البنت نوعاً من العار لابد من محوه، ولا يتم محو هذا العار إلا بوأد البنات.
ولكني أردت إضافة للهم الذي يعيشه من ينجب البنات من حيث القلق الدائم الذي يلازمهم بسبب الخوف من انحراف البنت، فالثقافة العربية جـُبلت على النظر لانحراف البنت، دون النظر لانحراف الولد، رغم أن القرآن الكريم أمر بجلد الزانية والزاني وليس أحدهما فقط، أقول رغم ذلك الهم، إلا أن المشوار الذي ينتظر أم البنات مشوار طويل لا ينقضي إلا بانقضاء عمر “أم البنات”، فرحلة عنائها بعد أن تكبر ابنتها وتبلغ سن الزواج، تبدأ أولاً في البحث لها عن “زوج”، وهي مرحلة شاقة، قد تتطلب من أم البنات أن توطد علاقاتها مع كل “الخطابات” في المنطقة، ومجاملتهن والتودد إليهن، فإذا ما جادت “الخطابة” بمعرس، أقامت “أم البنات” الولائم واللذائد، طمعاً في نيل المراد، في حين تكتفي “أم البنين” في النظر للعروس، والتمتع بالمائدة، وقد تعجبها العروس، وقد لا تحظى بإعجابها، فيذهب تعب “أم البنات” سدى! وهكذا دواليك حتى يشاء الله أمراً كان مفعولاً.
فإذا طاح الفأس في الرأس، وانتقلت البنت من حياة الراحة في كنف والديها إلى كنف زوجها، وبدأ مشوار الحمل والإنجاب، دخلت “أم البنات” في مرحلة “الطلق” أولاً، ذلك أنه حينما تتألم ابنتها، فكأنما هي من تتألم، فإذا ما ولدت ابنتها وقامت بالسلامة، بدأ مشوار “أم البنات” في “النفاس”، وهي مرحلة لا تقل شقاء وكمداً عن مرحلة البحث عن زوج، فعادة ما تقضي الوالد فترة “الأربعين” في منزل والدتها، لتعينها على صحتها وتباشر المولود في أول أيامه، في حين تنام “أم البنين” قريرة العين، لا تدري بصياح أو نواح أو حفاظات أو حليب أو ما شابه، وقد تكتفي بزيارة حفيدها والنظر مدة ساعة أو اقل!
و”أم البنات” لا تعرف الراحة مطلقاً فهي أيضاً تقوم بدور وسيط الخير في حال نشب خلاف بين ابنتها وزوجها، وهي تقوم بدور السائق في توصيل أحفادها في حال تعذرت ظروف ابنتها وزوجها، وهي خط الدفاع الأول في حياة ابنتها، فهي مستوطن الأسرار ومهبط الحلول، متى ما أغلقت الحلول أبوابها.
وهكذا تجد “أم البنات” في “ولوال” وقلق دائمين، لا يغمض لها جفن، ولا يرتاح لها بال، وبناتها صغار تحلم بتزويجهن كي ترتاح من عبء المسؤولية، ولا تدري ماذا ينتظرها فيما بعد من مسؤولية أكبر بكثير من مسؤولية طفولة بناتها.
والحمد لله الذي رزقنا من الذرية بنيناً وليس بناتاً، كي لا نبتلي بما ابتليت به “أم البنات”!
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .