العدد 1203
الإثنين 30 يناير 2012
banner
“إجاك الدور... يا دكتور”
السبت 04 مايو 2024

شيء عجيب حقا هذا الموقف الذي اتخذه النظام السوري من مبادرة الجامعة العربية ومن  بعثة المراقبة التي أرسلتها إلى الأراضي السورية، وكأن النظام السوري كالغريق الذي يرفض طوق النجاة الذي ألقي إليه وهو يصارع الأمواج في قلب البحر.
المبادرة العربية كانت خطوة لإنقاذ النظام السوري نفسه، وليس فقط حماية الشعب السوري الذي يتعرض للتنكيل منذ أشهر طويلة، ولكن النظام السوري يأبى أن ينقذ نفسه ويصر على العناد.
النهاية الطبيعية لنظام الأسد ستكون كنهاية كل الأنظمة الاستبداية التي تغلق كل أبواب التفاهم ولا تبادر إلا بالقمع ولا تتقبل اي حلول وسط، وإن قبلت بأي مبادرة فهي تفعل ذلك كنوع من المناورة وإضاعة الوقت ولا تستطيع الوفاء بها كما حدث.
الأجهزة الأمنية للنظام السوري لم تكتف بتعقيد وتكبيل تحركات بعثة المراقبة العربية اعتمادا على ذرائع وحجج مكشوفة، ولكن الأمر وصل إلى حد بث الرعب في نفوسهم ودفعهم إلى إنهاء مهمتهم بأقرب سرعة ومغادرة البلاد.
وليس غريبا على نظام أوصل شعبه إلى الانفجار، بسبب القمع وتكميم الأفواه إلى حد الاعتقال بسبب كلمة تقال ضمن مكالمة هاتفية، أن يضيق الخناق على نفسه ويسد كل آفاق الحل السياسي.
لقد نشرت وسائل الاعلام أن أهل مدينة درعا التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة السورية يرددون فيما بينهم قصة غريبة عن السبب في انطلاق هذه الشرارة الأولى، وهي أنه في يوم تنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن السلطة، جرت مكاملة هاتفية بين طبيبة سورية وبين صديقة لها، قالت فيها باللهجة السورية”مبارك اتنحى.. عقبال عنا”.
ولم تمر ساعة، إلا وقامت الأجهزة الأمنية باعتقالها وتعذيبها، وذهب شيوخ درعا – تلك المدينة المحافظة ذات الطبيعة القبلية والالتزام الديني - للمطالبة بالإفراج عنها، لأن المساس بأعراض النساء شيء لا يمكن التهاون معه مهما كان الثمن.
ولكن في اليوم التالي قامت مجموعات من أطفال المدارس في هذه المدينة بكتابة عبارات معينة ضد النظام السوري على حوائط مدارسهم، انتقاما لها بسبب مع تعرضت له على أيدي رجال الأسد، مثل “الشعب يريد إسقاط النظام”، “”إرحل إرحل يا بشار”، و”إجاك الدور يا دكتور”، فقامت أجهزة الأمن بالقبض عليهم أيضا.
وعاد شيوخ درعا مرة أخرى لقائد الأمن في المدينة وهو أحد أقارب الرئيس بشار الأسد للمطالبة بإطلاق سراح هؤلاء التلاميذ، فأهانهم قائد الأمن وأسقط عمامة أكبر شيخ فيهم ووطأها بقدميه، وهي إهانة كبيرة في عرف العرب، وقال لهم أن هؤلاء الأطفال لن يتم إعادتهم إلى ذويهم وأن عليهم أن يعتبروهم قد ماتوا وأن يقوموا بإنجاب غيرهم، وأضاف: “وإن كنتم غير قادرين على الإنجاب، فيمكننا إرسال رجال يقومون عنكم بالمهمة”.
وكان لابد أن تنطلق ثورة ضد نظام يريد أن يمارس كل شيء بالنيابة عن شعبه ابتداءا من التفكير ووصولا إلى الانجاب نفسه.
وكان لابد أيضا أن يتغطرس هذا النظام وأركانه حتى يصل إلى العزلة التامة وإلى الانتحار السياسي وإلى أن يقول التلاميذ لقائده :”إجاك الدور يا دكتور”..

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية