+A
A-

الدكتورة جميلة السلمان لـ "صحتنا": خدمة البحرين شرف.. والدعوة الصادقة لا تقاس بثمن

 

 

أكدت استشارية الأمراض المعدية والباطنية وعضو فريق البحرين مواجهة جائحة كورونا (كوفيد 19) الدكتورة جميلة السلمان أن خدمة البحرين شرف تتهاوى أمامه كل العروض مهما بلغت مستوى رفاهيتها. وأشارت في لقائها الخاص مع "صحتنا" إلى أن جائحة كورونا (كوفيد 19) كانت فرصة مهمة أتيحت لها لتكون قريبة من الناس، وتعتز فيها بخدمتهم.

وفيما يلي نص اللقاء:

 

- كيف تعرِّف الدكتورة جميلة نفسها؟

جميلة السلمان، طبيبة استشارية بمجمع السلمانية الطبي، متخصصة في الأمراض المعدية والباطنية وكبار السن ومكافحة العدوى والجودة الطبية.

وفي الوقت نفسه زوجة وأم، وهو ما أفخر به أكثر من إنجازاتي العلمية والعملية، إذ رزقني الله زوجًا متفهمًا وداعمًا وأبناء يحفزونني على النجاح.

 

ذهبت للدراسة في أميركا وأنا حامل بالشهر السادس

- حدثينا عن مسيرتك التعليمية، ولماذا اخترت دراسة مجال الطب؟

كوني من سكان المنامة، بدأت دراستي الابتدائية في مدرسة فاطمة الزهراء، ثم انتقلت للمرحلة الإعدادية بمدرسة عائشة، ومن ثم المرحلة الثانوية بمدرسة المنامة الثانوية، وكنت - لله الحمد - أحرز المركز الأول في جميع المراحل، وكنت الثانية على البحرين في مرحلة الثانوية العامة بمعدل 98 % لدفعة العام 1989.

لم يكن هذا النجاح وليد صدفة، وإنما جاء بعد تعب وجهد ومثابرة ودعم كبير من قبل العائلة.

وإذ كنت من المتفوقين الأوائل، فكان خيار الطب هو الخيار الأول بالنسبة لي، رغم أن والدي كان يرى أن الطب تخصص صعب وسيتطلب مني بذل جهد كبير لا يحتمل، إلا أنني أكدت له رغبتي بخوض غمار هذا التخصص ورغبتي فيه، فحددت رغبتي وتم ابتعاثي لدراسة الطب بجامعة الخليج العربي.

أنهيت دراسة الطب في حوالي 6 ونصف سنوات، أتممتها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وقررت حينها اختيار الطريق الأطول عبر متابعة المشوار العلمي، فقدمت إلى الامتحانات المؤهلة للدراسة في أميركا، وهو ما حدث بالفعل.

سافرت إلى أميركا وكنت حينها حاملًا بابني الأول في الشهر السادس، ومكثت فيها نحو 7 سنوات أنهيت فيها 3 برامج تخصصية، الأولى في الأمراض الباطنية من بنسلفينيا، والثانية في أمراض كبار السن من جامعة تيمبيل بنسيلفينيا، والثالثة في الأمراض المعدية من جامعة ييل في كونيتيكيت.

كنت محظوظة أن أدرس الطب في البحرين، إلا أن الصعوبة كانت حين توجهت للدراسة في أميركا، إذ كنت متزوجة وحاملا بابني البكر، وكان يمتد وقت العمل بين الساعة 5 صباحًا حتى 11 ليلًا.

أنجبت ابني وأنا في الغربة، ومنحت إجازة 6 أسابيع فقط، ثم عدت لمواصلة المشوار، ولهذا أقول للجيل الجديد "إن طريق النجاح ليس معبدًا بالزهور، فلا بد أن يكون لديك استعداد لاحتمال الصعوبات والشدائد".

كان هناك تشكيك أثناء وجودي في أميركا، إذ لم يعتقد أحد أنني سأكون قادرة على إتمام مشواري الدراسي وإحراز التميز، وكان أساتذتي يستغربون وجودي هناك، لأن أغلب المتدربين هناك من أميركا، لكنهم بعد أن اختبروا قدراتي وإمكاناتي أصبحوا يطلبون مني ويتمنون أن يكون هناك طلاب آخرون من بلدي، وهذا ما كان محط فخر واعتزاز لدي أن أمثل بلدي بهذا الشكل في تلك الأوساط العلمية الرفيعة.

كل ذلك لم يأت من فراغ، وإنما هو وليد هدف ورؤية واضحة، وأن تمتلك الإيمان بهدفك، وأن تعلم أن الله لن يضيع هذا الجهد والعناء.

لم أكن أسع أثناء مسيرتي العلمية لجمع شهادات، وإنما كان يستهويني العلم لذاته، فالعقل يكبر ويتوسع كلما تعلمت واطلعت وقرأت وتابعت.

أؤمن أن البحرين لديها إمكانات عالية وطاقات لا تقل عن نظيراتها في أميركا، لكن هناك حاجة للصبر، والعمل الجاد والمثابرة، إضافة للأخلاق، فنجاح الشخص لا يأتي بالشهادة وإنما بالأخلاق، والتعاون والعمل بروح الفريق.

المثابرة والمتابعة ليست كلمة تقال، بل لابد أن يكون لديك هدف، وإلا فستتوه في التفاصيل.

 

السلمان (الثانية من جهة اليمين) بحفل تخريج الفوج الثاني بجامعة الخليج العربي 1996م

 

- ما الدافع وراء انخراطك في تخصص الأمراض المعدية والباطنية؟

اختياري لتخصص الباطنية جاء من كون الباطنية تخصص عام، وأنا أحب العلم لذاته وأحب الشمولية، وأما توجهي للأمراض المعدية يعود لعدم وجود متخصصين بحرينيين في الأمراض المعدية، والأمراض المعدية أيضًا شامل لكل التخصصات، عمومًا لم أكن أحب التركيز على عضو معين في الجسم أو تخصص محدد.

 

أفخر بتمثيلي البحرين في الأوساط العلمية الرفيعة

- ما أبرز المواقف التي ما زالت عالقة في الذاكرة أثناء مسيرتك العلمية؟

لا أتذكر أي مواقف مميزة أثناء دراستي في البحرين، إذ كانت كل الظروف ميسرة.

ولكن في أميركا فالوضع مختلف، إذ عايشت فترة أحداث 11 سبتمبر وما صاحبها من مضايقات، ولكن على الرغم من ذلك فقد حظيت بتعاون ودعم زملائي والاستشاريين بالمستشفى الذي كنت أعمل به، وكانوا يتابعون أوضاعي باستمرار للاطمئنان علي، وذلك لم يكن إلا نتيجة لمشاعر الاحترام المتبادل بيننا والتي توطدت عبر السنوات.

وعلاوة على ذلك، تم ترشيحي ضمن أفضل الأطباء في المستشفى، رغم وجود عباقرة آخرين، فقيل لي حينها أن ما أظهرته من كفاءة أكسب البحرين احترامًا في الأوساط العلمية ووضعها على الخريطة العالمية، فكان هذا الكلام بالنسبة لي مسؤولية كبيرة، ومحط فخر واعتزاز في الوقت ذاته.

"البحرين نشيلها على رأسنا في كل مكان، وهذا فخر لنا، لا يمكن أن نصف شعور الارتباط بالوطن، البحرين أمنا وأبونا، لا يمكننا أن نفيها حقها مهما فعلنا".

وأفصح لي استشاري آخر أن نوعًا من التحفظ كان موجوداً عليّ في بداية الأمر في جامعة ييل التي تعد من أعرق الجامعات الطبية، والتي لا يدخلها إلا ذوي المستويات المتقدمة في العلم، إذ لم يكونوا معتقدين أني مؤهلة لوجودي بين كبار العلماء في تلك الجامعة، ولكن أثبت العكس.

 

- كيف كانت بداية مشوارك المهني؟

بعد أن أنهيت الدراسة في أميركا، كان القرار واضحًا عندي وهو الرجوع للبحرين، لأخدم بلدي، رغم أنه قدمت لي عروض مغرية في أميركا وعلى مستوى عالٍ من الرفاهية لا تقارن بأي مكان في العالم.

المسألة المادية مهمة، لكنها لم تكن هي محور اهتمامي، فكم تساوي عندي عبارة "رحم الله والديش" من أحد المرضى في بلدي؟

هي بالتأكيد لا تقاس بثمن، كما ينبغي على الشخص أن لا ينظر لربحه الوقتي، وإنما ينبغي أن يلتفت لما سيعود عليه بعد كل دعوة صادقة من أحدهم، وهي لا تقاس بأي شيء.

عمومًا، عدت للبحرين وعملت في السلمانية كاستشارية، ورأست لجان وأقسام عدة، ومثلت البحرين في لجانٍ على مستوى الخليج والعالم، وعملت في مواقع عدة كرئيسة قسم ورئيسة تدريب ورئيسة جودة، ورئيسة لجنة المضادات الحيوية في البحرين، والآن رئيسة الأطباء في السلمانية.

حتى إن أحدهم قال لي يومًا مازحًا "استقيلي.. لقد حققت كل ما يتمناه أي طبيب"، فكنت أقول له "لا، مازال هناك مجال للمزيد من العطاء".

وهناك 3 أمور بمشواري المهني أعزها معزة خاصة، الأول هو مشروع المضادات الحيوية الذي فاز بأفضل 3 مشاريع حكومية على مستوى المملكة، والثاني هو وسام الكفاءة من جلالة الملك المفدى، الذي يعد تتويجًا لكل الجهود السابقة، والثالث هو فوزي بجائزة الأمير الراحل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (طيب الله ثراه) في البحوث الطبية في نسختها الأولى.

لا يمكن أن أصف شعور الفوز بهذه الجائزة التي شارك فيها مجموعة كبيرة من الأسماء اللامعة، وفي ظل وجود لجنة حيادية دولية.

 

- كل هذه المسيرة المشرفة ظلت غائبة عن الكثير من الناس، حتى برز اسمك على رأس أعضاء فريق مواجهة الجائحة، وهو ما دفع الكثير للسؤال عن جميلة، ولماذا هي بالذات؟

نعم، عموم الناس لم يكونوا يعرفونني، لكن الوسط الطبي محليًا وخارجيًا كان يعرفني جيدًا.

الجائحة سمحت للناس بمعرفتي، فهذا الظرف كان وسيلة لأتعرف فيها على الناس ويتعرف الناس فيها عليّ، وهي فرصة جميلة لأكون قريبة من الناس وأتشرف بخدمتهم.

 

لا سقف لطموحاتي ومبدأي "اعقلها وتوكل على الله"

ما سقف طموحاتك؟

لا أحب أن أضع سقفًا لطموحاتي، ومبدأي هو "اعقلها وتوكل على الله"، ومن الخطأ الذي يرتكبه الكثيرون هو أنهم يحجمون إمكاناتهم بوضع سقف لطموحاتهم وأهدافهم.

اعمل واجتهد وستجد أن كل ما كنت تتمناه ماثل أمامك دون أن تطلبه، فلا تجعل المناصب والشهادات هدفًا لك، فكل المناصب التي تقلدتها لم تكن يومًا ما هدفًا لي، وإنما حصلت عليها عندما امتلكت الكفاءة لمسك زمامها.

اثبت كفاءتك والخير سيأتي لوحده، واجعل النجاح هدفك، وليس نجاحك الشخصي فقط، وإنما النجاح العائلي والوطني وما هو أبعد من ذلك، لا تقصّر نجاحك على شخصك.

 

- ما أشهر الأمراض الباطنية والمعدية في البحرين، وما أسباب شيوعها؟

الأمراض المعدية لا تعد من الأمراض الأكثر شيوعًا في البحرين، لكن بالنسبة للأمراض الباطنية فإن الأكثر شيوعًا منها أمراض القلب والضغط والسكري والتي نطلق عليها المزمنة.

أما أغلب الأمراض المعدية الشائعة فتتمثل في التهابات الصدر والأبوال والدم والجلد، إضافة إلى الأمراض التي تصاحب دخول المستشفيات، والعالم كله يواجه تحدي الميكروبات المقاومة، وهذا المشروع الذي نعمل عليه الآن في البحرين منذ ما يربوا على 12 سنة، ونحن سبقنا الكثير من دول المنطقة.

وتكمن أهمية هذا المشروع كونه يسلط الضوء على أهمية ما يصاحب الميكروبات المقاومة للمضادات من مرضى ووفيات والتكلفة من صحة الإنسان، وهذا المشروع على المستوى الوطني يتبع المجلس الأعلى للصحة، والاجتماعات والدراسات مستمرة رغم تحدي كورونا (كوفيد 19).

 

- ما تقييمك لمستوى العلاج للأمراض الباطنية والمعدية في مملكة البحرين؟

المنظومة الصحية في البحرين رائعة ومتقدمة، فالبحرين توفر الخدمة الصحية بكل أنواعها ومجانًا للجميع حتى مع الضمان الصحي، ولدينا استشاريين متميزين على مستوى المنطقة في مجال تخصصاتهم، وبالتالي فإن تجربة البحرين مشهود لها، وأما الشكاوى فهي موجودة في أي نظام صحي وتعتبر فرص للتحسين.

وهذا النجاح لا يمنع البناء عليه، والبحث عن نقاط الضعف وتطوير جميع الخدمات الصحية.

 

وسام "الكفاءة" أجمل تتويج لمسيرتي

- ما أجمل التجارب التي مررت بها في مسيرتك المهنية؟

لعل الجوائز التي حصلت عليها، وعلى رأسها وسام جلالة الملك المفدى وجائزة أفضل بحث طبي كانت أجمل وأسعد اللحظات في تاريخي المهني والعلمي.

 

جلالة الملك مقلدًا الدكتورة جميلة السلمان وسام الكفاءة

 

الأسرة هي الركيزة الأساس والدافع الأبرز نحو النجاح

- ماذا تمثل لك عائلتك، وكيف توازنين بين ما تقومين به من دور اجتماعي إنساني كبير وبين الاهتمام بأسرتك؟

الأسرة هي الركيزة الأساسية لأي شخص، ومن المهم أن يكون لدى الشخص أسرة داعمة ومتفهمة ومعينة له طوال الوقت، ومن دون ذلك قد تضعف أمام التحديات والمصاعب.

الأسرة هي صمام الأمان لكل شيء، فهي التي ستكون معها طول عمرك، وهي التي تعطي الدافع الأقوى للنجاح، وعندما تراهم سعداء بنجاحك فهذا يدفعك لمواصلة النجاح بشكل أكبر، ولا ترغب بخذلانهم، فهم مصدر الحياة والسعادة والتفاؤل.

 

- ما حكاية الصورة التي التقطت لك مع عائلتك وأنتم تأخذون التطعيم، وما أهم رسالة مستفادة من هذه الصورة؟

عندما ذهبت مع العائلة لأخذ التطعيم، قيل لي إنهم يرغبون بتصويرنا، فقلت لهم لا مانع من ذلك.

واعتقد أن هذه الصورة مثلت دعوة مشجعة للناس على أخذ التطعيم، وتأكيد على أنني لا أكتفي بدعوة الناس لأخذ التطعيم، بل أبادر أنا وعائلتي التي هي أعز ما لدي، من أجل إقناع وتشجيع الجميع بأهمية ذلك.

 

- ما أهم نصيحة توجهها الدكتورة جميلة للمجتمع البحرين في هذه الظروف الصحية الاستثنائية؟

أقول لهم "خلكم متفائلين"، وثقوا بقيادتكم الرشيدة والفريق الوطني، الذين يمثلون جيشًا حقيقيًا يعملون على مدار 24 ساعة منذ أكثر من 14 شهرًا.

الناس لا يعرفون بالتحديد كمية العمل والجهود الكبيرة التي يبذلها الفريق الوطني، وكمية القرارات التي تتخذ في كل يوم وليلة.

لابد أن يدرك الجميع أهمية الحفاظ على صحته وسلامته، وأن الفريق الوطني ليس محصورًا في الفريق الطبي، كل فرد منا هو عضو في فريق البحرين، فلا يمكن لخطة أن تنجح دون تعاون الناس.

صحيح أن هناك من يتهاون في تطبيق الإجراءات الاحترازية، لكن هؤلاء فئة قليلة، فالشعب البحريني مثقف و "طيبة قلبه" مؤشر نجاح.

الجائحة تتطلب الصبر من العالم كله، وهي بالنسبة لنا نقطة نجاح ودرس نتعلم منه.

 

- ما أبرز المشاهد التي مازالت عالقة في ذاكرتك أثناء عملك مع الفريق الوطني لمواجهة جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)؟

الجائحة أبرزت الجانب الإنساني، فهناك مشاعر كثيرة ومختلطة، منها المحزن كأن تسمع عن وفاة مريض بسبب الوباء بعد ساعات قليلة كنت تتحدث فيها معه، فهذا الشعور صعب لدينا حتى نحن الأطباء.

والجانب الآخر الأقوى والمشرف، عندما تشاهد الأطباء يعملون لساعات طويلة بكل إخلاص وتفان، فإن ذلك يشعرك بالفخر والاعتزاز بكوادرنا الوطنية.

كذلك عندما نتلقى الشكر والتقدير من لدن جلالة الملك المفدى، وعندما يحرص سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على زيارة العاملين بالصفوف الأمامية والاجتماع بهم ومتابعة سير العمل، كل هذه أمور نعتز ونفتخر بها ولا يمكن نسيانها، وتكون دافعًا محفزًا لنا على تقديم المزيد.

الدكتورة جميلة السلمان باللباس الطبي الواقي