+A
A-

هالة الأنصاري

يأتي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬بحلته‭ ‬الباهية‭ ‬وطابعه‭ ‬الخاص‭ ‬والبحرين‭ ‬تحتفي‭ ‬بنسائها‭ ‬كجزء‭ ‬أصيل‭ ‬ضمن‭ ‬نسيجها‭ ‬الوطني‭ ‬المتآلف‭ ‬والمتمدن‭ ‬حيث‭ ‬تمتزج‭ ‬خيوط‭ ‬الوعي‭ ‬المبكر‭ ‬مع‭ ‬الانفتاح‭ ‬المتحضر‭ ‬بتدرجه‭ ‬العقلاني‭ ‬والمحافظ‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬جذوره‭ ‬وثوابته‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬تتنفس،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬النسيج،‭ ‬أوكسجين‭ ‬التجديد‭ ‬والتحديث‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬هذه‭ ‬الجزيرة‭ ‬المضيئة‭ ‬عبر‭ ‬آفاق‭ ‬التاريخ‭. ‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬اختمرت‭ ‬عليها‭ ‬تجارب‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬وتكونت‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬ملامح‭ ‬مسيرتها‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تروى‭ ‬بدقة‭ ‬وبموضوعية‭ ‬تامة‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬ليتم‭ ‬سردها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬نهضة‭ ‬البحرين‭ ‬الحديثة‭ ‬بحراكها‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والثقافي،‭ ‬والتعليمي‭ ‬عندما‭ ‬انشغل‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ثروته‭ ‬الحقيقية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬عقوله‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬طموح‭ ‬حضاري‭ ‬وعلمي‭ ‬استشرف‭ ‬الحاجة‭ ‬لإعداد‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬مقتضيات‭ ‬العصر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬شكّل‭ ‬تعليمها‭ ‬المبكر‭ ‬انعطافا‭ ‬تاريخيا‭ ‬جذريا‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬تلك‭ ‬المسيرة،‭ ‬ولتصبح‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬اليوم،‭ ‬قوة‭ ‬خلاقة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬المستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬إشراقا‭.‬

ومن‭ ‬واقع‭ ‬التجربة‭ ‬والخوض‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬العمل‭ ‬النسائي،‭ ‬نجد‭ ‬بأن‭ ‬اندماج‭ ‬المرأة‭ ‬وتفاعلها‭ ‬المؤثر‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬الحضاري‭ ‬لبلادها،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬ليتحقق‭ ‬لولا‭ ‬توافر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬نوجزها‭ ‬في‭ ‬التالي‭:‬

-  الإجماع الوطني المتمثل في تلاقي الإرادتين السياسية والشعبية على حتمية مشاركة المرأة في بناء الثروة المعرفية التي بدأت بالتعليم، لتتوالى من بعدها إسهاماتها العلمية والثقافية والإدارية بصورة تتسق مع متطلبات كل مرحلة.

-  درجة الوعي والانفتاح العالية للمجتمع البحريني الذي عرف مبكراً كيفية مخاطبة العالم بكوادره وكفاءاته البشرية، وأيقن بأن الثروة الحقيقية هي "ثروة العقل"، كمقياس أساسي للتقدم والتحضر، والسلاح الوحيد والصامد في وجه أية محاولات قد تعطل حركة تقدم المرأة في ميادين الحياة العامة.

-  التنظيم الإداري المتقدم للدولة البحرينية وخصوصاً ما ارتبط بالتأهيل المهني والتدريب الوظيفي والتركيز على الابتعاث الجامعي الذي لم تكن المرأة غائبة عن مساراته قط.   

-  عراقة العمل المدني النسائي الذي جاء معبرا عن تطلعات المرأة منذ منتصف القرن الماضي فكان بمثابة كاشف الضوء للعديد من الجوانب الهامة التي لامست حياة المرأة والأسرة سعيا لاستقرارها واستقلالها الاقتصادي ومشاركتها في الشأن المجتمعي.

-  بدء العمل المؤسسي المنظم ممثلاً في إنشاء المجلس الأعلى للمرأة، الذي أثبت  بعد مرور عقدين منذ تأسيسه بقيادة فريدة لصاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، حفظها الله، بأنه صمام الأمان وركيزة استقرار لاستدامة تقدم المرأة البحرينية، بالنظر إلى طبيعة مهامه واختصاصاته التي مكنته اليوم بأن يكون مرجعاً وطنياً ومركزاً للخبرة النوعية في شئون وقضايا المرأة والأسرة ليس محلياً فقط وإنما إقليمياً ودولياً.

 

وبالرجوع إلى كل تلك العناصر مجتمعة، نجد بأن المرأة البحرينية غدت وبكل جدارة المعيار الحقيقي لتقدم ونهوض المجتمع، وهذه حقيقة علينا أن نفتخر بها وأن نقف بكل إجلال أمام عطاء وتضحيات وإسهامات جميع رائدات الوطن وأن نستمد من تجاربهن حماسة التقدم وعزيمة التطوير .. نحو بحرين المستقبل.