أغنية العقود الخمسة بلا منازع
”ست الحبايب”...
ثم يتناول الكاتب الخالدي ظروف ولادة "ست الاحبايب": "كتبها آنذاك الشاعر الراحل حسين السيد، واستغرق في كتابتها خمس دقائق فقط عندما كان في طريقة إلى والدته يوم عيد الأم العام 1958، تذكر وهو على سلم منزلها أنه لم يشتر لها هدية في ذلك اليوم، فقام بإخراج ورقه وقلم وقام بكتابتها في خمس دقائق، ثم طرق الباب وعندما فتحت له والدته الباب قام بإلقائها عليها فطارت من السعادة، وطلبت منه أن تسمعها في الإذاعة".
فقام بالاتصال بالموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وقرأها عليه فنالت إعجابه فقام بغنائها على العود، ثم قامت المطربة الراحلة فايزة أحمد بغنائها بعد ذلك.. وعلى مدار هذه السنوات الطويلة لم تظهر أغنية تضاهي "ست الحبايب" إزاء الكم الهائل من الأغاني والكيلبات و "الطقطوقات" على المستويين العربي والمحلي، ولم نستمع أو نشاهد لحنًا يحمل كل المعاني الصادقة والطيبة وحالة من الشجن لتخترق القلوب حبًا للأم إلا "ست الحبايب".
هل هناك سر؟
ولكن ما السر من وجهة نظر الكاتب الخالدي؟ يقول: الكلمة التي تعد أحد أضلاع الأغنية فى كل مكان وزمان هي السر وهي المبتدأ.. فالشاعر يكتب ثم يأتي دور الملحن، ثم يكون دور المطرب الذي يبقى دائمًا جسر التواصل مع الجمهور، والصوت هو حديث الروح، ولذا فلا عجب عندما نردد أن (الأذن تعشق قبل العين أحيانًا)، فهي تعشق لأن الصوت مدعاة للعشق، وفي الصوت كلمة ومعرفة ومناداة للخالق وواهب العبقرية وباعث الحياة ومحرك الكيانات، ويقول الفيلسوف الألماني هيردر "إن الأنغام والألحان رسائل كبرى للتعبير عما يختلج في النفس البشرية من مشاعر الانفعالات التي تعجز عنها اللغة العادية"، فهذه الأغنية خصوصا أنها جميلة الأركان تبقى حاضرة بيننا، وكل إنسان تربطه بعض الذكريات مع مقطع معين من ذلك العمل الفني الموسيقي، ولكل أغنية حكاية أو حكايات، لهذا فـ "ست الحبايب" كنز فني.
أساس الدنيا وعنصر الحياة
هناك زاوية أخرى تناولها الكاتبان، السعودي في صحيفة المدينة حمزة أسامة، والمصري خليل زيدان، والزاوية هي الإشارة إلى الذين يسكنون في القصور والفلل وأمهاتهم في غرف أو ملاحق بسبب "بلاء زوجاتهم"، فالأم بكل المقاييس هي أساس الدنيا وعنصر الحياة فيها، فكل مخلوق أتى إلى الدنيا عبر الأم التي بث فيها الخالق كل مقومات الرحمة والحب والحنان والرعاية، فالأم عند الإنسان وسائر المخلوقات هي الأم، التي تعد ولديها للحياة، فهي التي ترعى في الصغر وتطعم وتحمي وتسهر وتربي وتعلم وتبث القيم الجميلة في أبنائها.. وفي موكب عيد الأم تمكنت "الهلال اليوم" من العثور على مخطوط أشهر أغنية في العالم العربي، كتبها الشاعر حسين السيد بخط يده، ويسعدنا أن يكون لنا السبق في نشرها.
حينما نسى الشاعر هدية الأم
ننقل القصة كما وردت في "موقع ويكيبيديا" بتفاصيلها، ففي مساء يوم 20 مارس من العام 1958، ذهب الشاعر الراحل حسين السيد لزيارة والدته في منزلها بعد عناء يوم شاق وطويل من العمل وعقب صعوده الطوابق الخمسة متجهًا لشقة والدته في الطابق الأخير، اكتشف أنه نسي شراء هدية لأمه كي يقدمها لها في عيدها بعد يوم، ونظرًا لشعوره بالتعب والإرهاق فلم يبادر بالنزول مجددًا للشارع وشراء هدية، لذا هداه تفكيره لحيلة يهدّئ بها والدته.
أخرج الشاعر ورقة وقلمًا من جيبه وجلس على السلم أمام الشقة يكتب كلمات يعبر فيها عن حبه وتقديره لأمه، ويقدمها لها فور أن تفتح له باب الشقة.
أنا روحي من روحك
انطلقت الكلمات تخرج بعفوية من الشاعر الراحل ووجد دون أن يدري في النهاية أنه خط هذه الكلمات:
ست الحبايب ياحبيبة... يا أغلى من روحي ودمي
ياحنينة وكلك طيبة... يارب يخليكي يا أمي
زمان سهرتي وتعبتي... وشلتي من عمري ليالي
ولسه برضه دلوقتي... بتحملي الهم بدالي
أنام وتسهري وتباتي تفكري
وتصحي من الآدان... وتيجي تشقري
تعيشي لي ياحبيبتي يا أمي... ويدوم لي رضاكي
أنا روحي من روحك أنت... وعايشه من سر دعاكي
بتحسي بفرحتي... قبل الهنا بسنة
وتحسي بشكوتي... من قبل ما أحس أنا
يارب يخليكي يا أمي...يا رب يخليكي يا أمي
لو عشت طول عمري... أوفي جمايلك الغالية عليّ
أجيب منين عمر يكفي... وألاقي فين أغلى هدية
نور عيني ومهجتي... وحياتي ودنيتي
لو ترضي تقبليهم... دول هما هديتي
انتهى الشاعر من الكلمات، وطرق باب الشقة وقدم الكلمات لأمه التي قرأتها وبكت فرحة من تأثرها بها، فقد مست شغاف قلبها وعبرت عن مشاعر ابن بار ومحب لها، وسألت ابنها هل هذه الكلمات لها أم إنها أغنية جديدة من تأليفه؟
فقال لها إن هذه الكلمات لها وحدها فقط وليست أغنية، لكنه زاد في وعوده لها وقال إنها لو رغبت في أن تكون أغنية فسيكون ذلك خلال ساعات وبصوت أجمل المطربات.. فوافقت، وعلى الفور وهو مازال في شقة والدته، اتصل الشاعر الكبير بالموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وروى له القصة، وقرأ عليه الكلمات واكشتف بعد الانتهاء من قراءتها أن عبدالوهاب سجلها في ورقة عنده، ووعده الأخير بتلحينها ليكتشف الشاعر الكبير في اليوم التالي هو ووالدته بالأغنية تذاع في الإذاعة المصرية وبصوت فايزة أحمد.
اندهش الشاعر حسين السيد واتصل بعبدالوهاب مستفسرًا عما حدث، فقد ترك له الأغنية منتصف الليل واكتشف في الصباح بثها في الإذاعة، فقال له عبدالوهاب إنه أعجب بالكلمات ولحنها في 15 دقيقة، واتصل بفايزة أحمد ودعاها على الفور للتدريب على اللحن، وكانت الأقدار تحيط بالجميع فقد حفظت المطربة الكبيرة الكلمات بسهولة وأدت البروفات بسلاسة ويسر حتى مطلع الفجر، ومع إشراقة صباح يوم 21 مارس، وهو عيد الأم، كانت فايزة أحمد في الإذاعة المصرية تسجل الأغنية، وتنطلق عبر الأثير في سماء العالم العربي لتحفر اسمها بحروف من نور في أذهان وذاكرة الجماهير.