المناصرون يتكاتفون... والجهات الرسمية حملت الأمانة بمسؤولية
واقع البيئة في البحرين... جدران الصد صامدة
شهد الاهتمام بحماية البيئة في مملكة البحرين تحولات مهمة، وهي بمثابة نقلة نوعية غيرت الحال عما كان عليه في الثمانينات والتسعينات. فمع الألفية الجديدة أصبحت الجهات الرسمية تقترب أكثر في الموقف مع مناصري البيئة من الباحثين ومنظمات المجتمع المدني. إن قضايا كانت وما تزال قائمة مثل أزمة خليج توبلي، ومحمية رأس سند والدفن الجائر للبحار وجرف الأراضي الزراعية وغيرها من القضايا والظواهر أصبحت محط اهتمام.
ماذا عن التشريعات؟ هذا هو الجانب الأهم، ويمكن اعتبار قانون البيئة المقدم من الحكومة إلى مجلسي الشورى والنواب يهدف إلى إيجاد تنظيم تشريعي متكامل يضمن حفظ واستدامة البيئة من خلال قانون متطور وشامل يغطي كل النواحي البيئية، وينظم المسؤوليات والإدارة المثلى لجميع العناصر المؤثرة على البيئة، وقادر على الإيفاء بالالتزامات المستحقة محليًا ودوليًا في مجال حماية البيئة.
محمد علي حسن
تنظيم تشريعي متكامل
في هذا الاستطلاع الذي يأتي تزامنًا مع اليوم العالمي للبيئة 5 يونيو، نثير بضع جوانب، فالبيئة البحرينية، برًا وبحرًا وهواءً تواجه تحديات عديدة، وجدران الصد ما تزال صامدة في وجه مهددات البيئة، ووفق رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة في مجلس الشورى محمد علي حسن فإن هذا المشروع بقانون يهدف إلى وضع تنظيم تشريعي متكامل بشأن البيئة، يشمل كل صورها البرية والبحرية والجوية، ويضمن الحفاظ على استدامتها، ويتماشى مع الاتفاقات الدولية التي انضمت إليها مملكة البحرين وصادقت عليها أو لم تصادق عليها حتى الآن، بالإضافة إلى تنظيم الأحكام الخاصة بالمواد الكيميائية والمواد الخطرة التي يتم تداولها أو حظر تداولها لتأثيراتها الخاصة على البيئة، فيما ينص على العقوبات التي تتناسب مع كل مخالفة أو جريمة، وتعويض كل من يلحق به ضرر جراء ممارسة الأنشطة البيئية.
ما الجديد في القانون؟
من أجل إحاطة قضايا البيئة من كل النواحي، فإن القانون الجديد كما يشير محمد علي حسن تضمن العديد من البنود منها مواجهة الكوارث والطوارئ البيئية، حماية البيئة المائية من مصادر التلوث، حماية الهواء من التلوث، حماية البيئة البرية من التلوث، بيئة العمل والبيئة الداخلية، إدارة الموارد الكيميائية، المواد والمصادر المشعة، إدارة المواد والمخلفات الخطرة، التنوع الحيوي، المقاييس البيئية، الرسوم، التفتيش والضبطية القضائية، التصرف في المخلفات البيئية والتعويض عن الأضرار، العقوبات، وأحكام متنوعة، تدخل في 18 بابا من أبواب القانون المشتمل على 125 مادة بين أحكام عامة وتعاريف، ونطاق تطبيق القانون على الجهات العامة والخاصة والأفراد، وصلاحيات المجلس الأعلى للبيئة في تطبيق القانون، وإنشاء الصندوق الوطني لحماية وتنمية البيئة وتقويم الأثر البيئي.
لمياء الفضالة
ترسيخ المسؤولية المشتركة
تكاملًا مع المجلس الأعلى للبيئة والمحافظات والوزارات المعنية، يتجلى دور البلديات والمجالس البلدية في تحقيق تقدم على مستوى حماية البيئة من كل الجوانب، وفي هذا تضرب المدير العام لبلدية المنطقة الشمالية لمياء الفضالة بحملة "بيئتنا غير في شهر الخير"، المثال القريب، إذ تم تنظيمها في شهر رمضان المبارك عبر الفضاء الإلكتروني، وهي تدخل ضمن أهداف زيادة الوعي البيئي بموضوع المخلفات المنزلية وتأثيرها السلبي على البيئة.
وتشدد الفضالة على أن العمل على صعيد تنمية البيئة والمحافظة عليها لا يقتصر على مناسبة أو حدث أو فترة زمنية محددة، فقد وضعنا في اعتبارنا استهداف كل الشرائح ومن مختلف الأعمار لنشر المعلومات والوعي وتغيير السلوك الاجتماعي وبناء ثقافة المسؤولية القائمة على مبدأ الشراكة في الحفاظ على النظافة العامة، علاوة على تغيير المفاهيم السائدة في الاعتماد على عمال النظافة وترسيخ قيم المسؤولية المشتركة في صون نظافة محيطنا البيئي، علاوة على أننا نعمل مع الجهات الرسمية والأهلية انطلاقًا من الأهداف الاستراتيجية المحققة لرؤية وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني الطموحة في عمل بلدي شامل قائم على أساس الاستدامة والشراكة المجتمعية، وتنفيذًا لتوجيهات وزير الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني عصام خلف ووكيل الوزارة لشؤون البلديات الشيخ محمد بن أحمد ال خليفة، بضرورة تكثيف حملات التوعية البيئية واستغلال جميع المناسبات الدينية والوطنية.
على ذات المسار، إلى أي مدى يمكن أن تنجح هذه الجهود؟ تعيد الفضالة تأكيد أن: البرامج المشتركة الموجهة لحماية البيئة ورفع الوعي ناجحة بلا شك بمشاركة المتخصصين والمسؤولين إلى جانب نشطاء العمل التطوعي البيئي، وكذلك دور الإعلام في نشر وترسيخ المفاهيم والسلوكيات البيئية السليمة والمستدامة لدى كل شرائح المجتمع، باعتبارها المحرك والمعبر الحقيقي عن هموم ومشكلات المواطنين، وبالنسبة لنا فالبرامج التي تم تنفيذها من قبيل "الشمالية نبيها حلوة ونظيفة" وكذلك "القرية الجميلة" وحملة "ارتقاء"، قد أضافت لنا الكثير من الخبرات والشراكات، والعمل متواصل بلا ريب.
أحمد الكوهجي
لا أستخدم أكياس البلاستيك
يكرر رئيس مجلس بلدي الشمالية أحمد الكوهجي على الدوام، أن من أهم المعطيات التي تسهم في نجاح مشاركة المجتمع في حماية البيئة هي تلك المرتبطة بتغيير الأفكار والسلوكيات والممارسات، ولهذا فأنا، والكلام للكوهجي، لم أعد أستخدم أكياس البلاستيك في المنزل على الإطلاق، وهذا الأمر ينطلق بنا إلى آفاق أوسع في وضع البيئة وشؤونها على سلم الأولويات، وهذا ما نفعله في مجلس بلدي الشمالية؛ لأننا كوننا أعضاء متفقون تمامًا على أهمية السعي الدؤوب للنهوض بواقع البيئة والمحافظة عليها.
وعلى صعيد الرصد والعمل الميداني، يؤكد الكوهجي أن هذا الجانب يأخذ مساحة كبيرة من العمل في مجلس بلدي الشمالية، فنحن نسعى بشكل مستمر إلى رفع مستوى الوعي والإرشاد البيئي بالتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات ذات العلاقة وتفعيل الشراكة المجتمعية للحفاظ على البيئة، حتى أنني تحدثت عن أهمية دور المنابر الدينية واللقاءات والمنتديات الإرشادية من قبل جائحة كورونا وبعدها بعون الله، والتواصل في هذا الشأن مع وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف؛ لأنها من الأركان التي تؤتي ثمارها لتعزيز الدور الديني وتفعيل مشاركته في توعية الفرد والمجتمع.
ويعبر الكوهجي عن ارتياحه من مواصلة التعاون مع المؤسسات الأهلية، فقد شهدنا في السنوات الماضية كيف شاركت تلك المؤسسات وفي مختلف المناطق، بجهود مهمة في حملات تنظيف السواحل والمقابر وتنظيم حملات التوعية، وكل ذلك يهمنا كثيرًا ونسعد بأن نكون جزءًا من هذا الحراك؛ لكي تنعم بيئتنا بالسلامة فنعيش في محيط آمن ونعمره للأجيال القادمة.
زكريــا خنـجـــي
المساءلة من أجل البيئة
كثيرة هي البحوث والدراسات التي عكف على تنفيذها المدير العام لمركز الخنجي للحلول المتقدمة خبير ومستشار التدريب الإداري والتنمية البشرية مستشار سلامة الأغذية والبيئة زكريا خنجي، لكنه يتطرق إلى "الحوكمة البيئية" باعتبارها من المفاهيم الحديثة؛ لأنها مبدأ شامل ينظم السلوك العام والخاص نحو مزيد من المساءلة والمسؤولية من أجل البيئة، فهي تعمل في كل المستويات بدءًا من المستوى الفردي وصولًا إلى المستوى العالمي، كما تدعو إلى قيادة تشاركية ومسؤولية مشتركة من أجل الحفاظ على الاستدامة البيئية.
وللتوضيح أكثر يبسط المفهوم بالقول "الحوكمة تحدد كيفية استخدام الموارد الطبيعية والبيئة، والكيفية التي تقدر وتتحمل المشكلات، والأزمات، والكوارث البيئية والكيفية التي يتم حلها، وما السلوك الذي يعتبر مقبولًا أو مرفوضًا، وما القوانين والعقوبات المطبقة على المؤثر في نموذج استعمال الموارد البيئية، أضف إلى ذلك أن مفهوم الحوكمة البيئية يعود إلى آليات صنع القرارات التي تعنى بإدارة البيئة والموارد الطبيعية، وتعتبر مفاهيم الشمولية والتمثيل والمحاسبة والفعالية والكفاءة، بالإضافة إلى الإنصاف والعدالة الاجتماعية.
غازي المرباطي
المطلوب.. خطوات جادة
على مدى أكثر من 20 عاما، لمع اسم رئيس مجلس المحرق البلدي غازي المرباطي، وقبل أن يكون رئيسًا للمجلس، لمع باحثا بيئيا وناشطا نظم العديد من اللقاءات والمنتديات والأنشطة والبرامج الميدانية للحفاظ على البيئة، وهذا ما أكسبه خبرات ودراية عميقة، وهو اليوم، وفق تلك الخبرة وما تحقق من تقدم على صعيد التشريعات والنظم الحمائية، يطمح لأكثر من ذلك، فالوضع البيئي في البحرين يتطلب مزيدا من الخطوات لحماية الموارد الطبيعية لاسيما البحرية منها.
ويتطرق المرباطي إلى ما تمثله البيئة البحرية من أهمية كبرى؛ لأنه يرى أن هذه البيئة تتتعرض لسلوكيات منها خطورة تراكم المخلفات، وكل هذه الأمور تمثل تحديات تلزم اتخاذ قرارات استثنائية، لاسيما على صعيد الثروة البحرية التي تؤثر على المستهل، فالملوثات تنتقل عبر الأسماك والكائنات والموارد البحرية الأخرى إلى البشر، كما أنها تحدث الخلل الكبير في النظام البيولوجي للبيئة البحرية، والدليل على ذلك هو انقراض أنواع من الأسماك التي كانت تتوافر في بحار البحرين علاوة على استنزاف البيئة، ونحتاج إلى رؤية شاملة مشتركة ومستدامة للتصدي للسلوكيات الخاطئة المؤثرة على البيئة والتصدي لها.
مجيد صفر
تجربة متميزة لطلبة جامعة البحرين
يعتبر مقرر الهندسة البيئية من المقررات الاختيارية لتخصص برنامج البكالوريوس في الهندسة الكيميائية، وهو مقرر يعنى باستخدام الطرق الهندسية والرياضية والعلمية لتصميم أنظمة تسهم في حل المشكلات البيئية والتخفيف من أضرار الملوثات بالإضافة إلى السلامة والصحة والأمان في مختلف المنشآت والمرافق. ولدينا هنا تجربة متميزة لمجموعة من طلبة جامعة البحرين تحت إشراف عضو هيئة التدريس في قسم الهندسة الكيميائية مجيد صفر جاسم، ولكن ماذا فعل الطلبة؟
درست مجموعات من الطلبة ظواهر متعددة في البحرين، منها تلوث الهواء ومستنقعات المياه، لاسيما مياه الأمطار الراكدة بعد كل موسم، والنفايات الصلبة في خليج توبلي، كل ذلك من أجل تقييم المشكلات البيئية القائمة وتحديد مصادر التلوث واقتراح الطرق الناجعة لمعالجتها، وطرحتها في حلقات نقاشية لابتكار الأفكار الإبداعية غير التقليدية بشأن تحديات البيئة البحرينية على اختلافها، فهذه الجهود البحثية تبشر بالخير بوجود مجموعة من الباحثين والخريجين المؤهلين لدراسة الظواهر البيئة ووضع الحلول القابلة للتطبيق.
ويذهب خنجي إلى أهمية الإدارة البيئية، وفي هذا الصعيد يقول إنه بالإمكان الاطلاع على الحاجة لإدارة البيئة من خلال مجموعة متنوعة من وجهات النظر، ومفهوم القدرة على التحمل والاستمرار هو الفلسفة الأكثر شيوعًا والقوة الدافعة وراء الإدارة البيئية، وبالتالي فإن الإدارة البيئية ليست للمحافظة على البيئة من أجل البيئة فقط، ولكن هي للمحافظة على البيئة من أجل وصالح البشرية، وهذا ما أكدته الدراسات، فالحوكمة البيئية تشمل صنع القرار المرتبط بمراقبة وتسيير البيئة والموارد الطبيعية، وأسلوب القرارات المتخذة، لذلك يمكن أن يقال إن الحوكمة البيئية الجيدة هي التي تعكس مفهومنا للبناء، الوظيفة، العمليات وتغيير صور الأنظمة الطبيعية، إذ إن دون هذا الفهم يمكن أن تتخذ قرارات غير ملائمة مع نتائج بيئية كارثية، حتى مع أفضل النوايا المحتملة.
ميمونة المحاري
التوازن البيئي الطبيعي
التحديات قائمة، لكن العمل الناجح ممكن أيضًا من أجل بيئة سليمة معافاة، وهذا حديث الناشطة وعضو أصدقاء الحدائق ميمونة المحاري، التي ترى أن مملكة البحرين أولت اهتمامًا واضحًا وملموسًا بوضع استراتيجيات وسياسات التطوير الممنهجة لبرامج تحقيق الاستدامة البيئية في مختلف مناطق المملكة، وهذا الدور يقوم به المجلس الأعلى للبيئة، وقد لامسنا هذا الأثر المتميز من خلال الإسهامات في تنظيم فعاليات متنوعة لضمان استمرارية التوازن البيئي الطبيعي واستدامته.
ومع وجود التحديات، إلا أن البحرين تميزت في نشر الوعي البيئي بين المواطنين والمقيمين، والجهود مستمرة سواء على المستوى الحكومي أو الأهلي بل وتشجع عليه، وهذا ما لاحظناه من خلال استبدال الأكياس البلاستيكية بالورقية لأضرارها على البيئة والإنسان، وما نشهده من تجارب تتعلق بمعالجة النفايات وإعادة بيعها أو تدويرها، وهذه الصور تؤكد أن شريحة كبيرة لديها الوعي والإيمان والقناعة بأهمية تكاتف الجهود من أجل حماية البيئة.
محمد المطوع
استثمار ظروف كورونا
تتلخص فكرة عضو أصدقاء الحدائق المهتم بشؤون البيئة محمد جاسم المطوع في استثمار ظروف جائحة كورونا ودراسة أبعادها ومعطياتها من أجل صحة البيئة، فهو يشير إلى أن فيروس كورونا فتك بالبشر وشل الاقتصاد وضرب دولا كبرى، ولكن أنا أنظر إلى الوضع من ناحية "رب ضارة نافعة".
إن فيروس كورونا، كما يصف المطوع، له إيجابيات كبيرة على البيئة، فعندنا توقفت نسبيًا حركة الطيران التي تسبب التلوث، وقل استخدام السيارات بسبب جلوس الناس في منازلهم والحجر الإلزامي، ولم يقف عند هذا الحد، فقد تم فرض ارتداء كمام الوجه في معظم الدول وهذا له أثر طيب خصوصًا في الأماكن المغلقة المزدحمة بالناس مثل الأسواق وغيرها. في السابق، أو لنقل في الأوضاع الطبيعية قبل جائحة كورونا، كانت شريحة كبيرة معرضة لرذاذ اللعاب أثناء العطس أو السعال من الشخص المصاب، ويمكن أن يستنشقها شخص آخر ويصاب بالعدوى، وقد يتغير مناخ الجو فجأة ويتحول إلى غبار شديد، أنت خارج في مهمة وتستنشق جزيئات الغبار الدقيقة المسماة بالغبار القابل للاستنشاق بسهولة في الأنف والبلعوم لتتراكم وتشغل حيزًا داخل الرئتين ما قد يؤدي إلى مشكلات تنفسية خطيرة، وقد تصاب بعد استنشاق الغبار بالتهاب الأنف التحسسي وستواجه نتيجة لذلك العطاس والسيلان والسعال وصعوبة التنفس والصداع الناتج عن احتقان الجيوب الأنفية، ناهيك أيضا في السابق عن مصافحة جميع الأشخاص ممن معك في العمل سواءً من جنسيتك أو غير ذلك، ولا تعلم مدى نظافة يده، وبذلك تنتقل العدوى.
ذات الوضع يراه المطوع مهمًا لتوظيفه في التعامل مع قضايا البيئة الملحة، أي باعتماد الاحترازات والإجراءات التي تجعل الغالبية تعي أهمية الحفاظ على البيئة.
