+A
A-

في حوار ”سيرة” مع الخبير البيئي شبر الوداعي

البدايات‭ ‬لأي‭ ‬إنسان‭ ‬تؤسسها‭ ‬التربية‭ ‬الأسرية‭ ‬والمحيط‭ ‬الأسري‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه،‭ ‬لذلك‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬بدايات‭ ‬علاقة‭ ‬ضيفنا‭ ‬الخبير‭ ‬البيئي‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬بلدي‭ ‬الشمالية‭ ‬ممثل‭ ‬الدائرة‭ ‬الأولى‭ ‬شبر‭ ‬السيد‭ ‬إبراهيم‭ ‬الوداعي‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬البيئة‭ ‬وبناء‭ ‬ثقافة‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬المحيط‭ ‬البيئي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬واقع‭ ‬اهتمامه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والأكاديمي‭ ‬بقضايا‭ ‬البيئة،‭ ‬لكنه‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشية‭ ‬حيث‭ ‬عاش‭ ‬وترعرع‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬بيئي‭ ‬محاط‭ ‬بحزام‭ ‬من‭ ‬المزارع‭ ‬والثروة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والعيش‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬البيئات‭ ‬الطبيعية‭ ‬الساحلية‭ ‬والبحرية،‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬مع‭ ‬المرحوم‭ ‬والده‭ ‬والبحارة‭ ‬التاريخيين‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬باربار،‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬الحزام‭ ‬الأخضر‭ ‬والساحلي‭ ‬لقرى‭ ‬شارع‭ ‬النخيل‭.‬

والدي‭ ‬قال‭: ‬شم‭ ‬هذه‭ ‬التربة

ندخل في تفاصيل أكثر فيقول الوداعي "هنا بدأت قصة علاقتي مع البيئة وبناء المؤشرات الأولى لتكون وعي البيئي، وتمثلت بدايات ذلك الوعي عندما كنت في المزرعة القريبة من الساحل في نهاية ستينات القرن الماضي، المزرعة التي زحفت عليها الغابات الأسمنتية وتحولت إلى موقع سكني، وكان والدي يمارس الزراعة في جزء منها، وذات يوم أخذ حفنة من التراب وطلب مني شمها وقال لي: إنك شممت رائحة الحياة، وعليك أن تعلم أننا من هذه الأرض خلقنا وعليها نعيش ومنها نأكل ونشرب وإليها سوف نعود، إنها نعمة من الله سبحانه وتعالى فلا تنس أن تحافظ عليها.

وحيث إننا نعيش في بلدة ساحلية ووالدي كغيره من أبناء بلدتنا يكسب قوت يومنا من مهنة الصيد، كان يتألم عند حدوث التلوث النفطي في المياه الساحلية والبحرية، ويشير إلى أن ذلك "نقمة علينا تمنعنا من الصيد وكسب الرزق، فلا تنس يا ولدي أن تساهم في وقف هذا البلاء وصون رزق البلاد والعباد"، وبحكم قرب المزرعة من الساحل كنا نشهد حركة الموج الساحلي وما يطرأ في المياه الساحلية من متغيرات، ولا يغيب عن ذاكرتي الحادث المأساوي في جنوح إحدى ناقلات النفط في بداية سبعينات القرن الماضي وتلويث المياه الساحلية ببقع النفط الكثيفة وغير المعالجة، لحظتها كنت واقفًا على الساحل مع والدي وقال "انظر يا بني ما الذي يتسببه هذا البلاء، إنه يلوث المياه البحرية ومصائد السمك والحظور وأدوات الصيد (القراقير) ويتسبب في خسارتنا المادية وتنغيص سبل العيش فلا تنس  يا بني - إذا الله مكنك - أن تساهم بجهدك في حماية هذه الثروة".

إن تلك الوصايا والحكم من رجل لا يعرف القراءة والكتابة والمتبصر لقيم ومبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، كانت بمثابة الناقوس الذي أيقظ مشاعري عندما كنت على مقعد الدراسة الجامعية؛ لينتهي بي الأمر إلى التخصص في القانون البيئي، وأن أتبنى فكر العمل التطوعي الاجتماعي والبيئي كمنهج حياة ومسؤولية وطنية والتزام ديني ووطني.

وكان لكارثة التلوث النفطي في حرب الناقلات في حوض الخليج العربي في منتصف ثمانينات القرن الماضي أثرها في اختيار بحث التخرج لنيل الماجستير من كلية العلاقات والقانون الدولي، وتركت حرب تحرير الكويت وما تبعها من أضرار بيئية في مياه الخليج أثرها في اختياري بحث الدكتوراه المشكلات القانونية لحماية مياه حوض الخليج.

 

هل‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬بشأن‭ ‬اختياركم‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭.. ‬ما‭ ‬التخصص‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬جامعة‭ ‬وما‭ ‬المصاعب‭ ‬أو‭ ‬الذكريات‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬ذاكرتكم؟

أنتمي إلى جيل شق طريق الحياة معتمدًا على قدراته الذاتية ومواجهة التحديات والصعوبات والمنعطفات الحياتية، جيل عرف فيه حبه للعمل والاجتهاد وبناء الذات والصعود إلى سفينة المغامرات والبحث عن الطريق الذي يؤمن مستقبله، ويشكل التعليم أحد مقومات أهداف جيلنا، لذلك لم تستوقفني صعوبات البعد عن الوطن، تلك هي القوة الذاتية التي دفعتني للسفر إلى أوكرانيا حينما توافرت الفرصة للدراسة والالتحاق بكلية العلاقات والقانون الدولي بجامعة كييف الحكومية، ودرست في قسم القانون الدولي وحصلت على ماجستير في القانون الدولي.

الحرص في مواصلة التحصيل الأكاديمي جعلني أستمع إلى نصيحة مدرسي وصديقي البروفسور فلادمير ياكوشك والانتقال إلى كلية الحقوق في قسم القانون الاكيولوجي، وفي بداية المشوار التحقت متدربا لفترة عام ومارست تدريس القانون المشترك للمزارع والأراضي والمياه والغابات والجبال والتشريع البيئي لطلبة كلية الحقوق، وإعداد بحث في المشكلات القانونية لحماية مياه حوض الخليج، وبناء على تقييم قسم القانون الاكيولوجي جرى ترشيحي لمواصلة دراسة الدكتوراه في القانون الاكيولوجي.

الدراسة في قسم القانون الاكيولوجي لم تكن مفروشة بسجاد الحرير والورود خصوصا في ظل المتحولات والإرهاصات السياسية التي كان يعيشها البلد الذي أدرس فيه (الاتحاد السوفيتي السابق) ومنطقة حوض الخليج العربي محط الدراسة، وكان من أكثر المحطات صعوبة مرحلة التحضير لامتحان التخصص، يومها كانت تتبدل القوانين بسرعة البرق، ما يتطلب المتابعة الحثيثة ودراسة ما يصدر من قوانين ما سبب لي إرهاقا شديدا بسبب السهر لفترة طويلة من الزمن، لذلك في يوم الامتحان وأنا خارج من باب غرفتي في السكن الجامعي سقطت علي الأرض مغمى عليّ وأنقذني جاري السوري ابن السويداء (محمد الصفدي)، وبرغم ما أصابني توجهت إلى لجنة الامتحان بعد أن أخذت فترة من الراحة بتوجيه من الأطباء الذين ألزموا لجنة الامتحان بالالتزام بالأوامر الطبية واجتزت الامتحان بتفوق.

المحطة الأخرى من المصاعب في مرحلة إعداد البحث في موضوع المشكلات القانونية لحماية مياه حوض الخليج، وفي تلك المرحلة من العام 1990 كانت منطقة الخليج ترسو على صفيح من النار بسبب غزو الكويت والحرب تدق أجراسها وعندما أنجزت البحث وتقدمت به إلى القسم للدفاع التحضيري سألني أحد الأكاديميين في اللجنة، ما وجهة نظرك عندما تشتعل الحرب في الخليج هل يكون لها أثرها على واقع القانون البيئي؟ فأجبته: عندما تطلق المدفعية تدمر كل القيم وتكشف جوانب الخلل في القانون، ما دفع اللجنة العلمية إلى تأجيل البت في الموضوع في انتظار ما يجري في الخليج، وتسبب ذلك في إعادة الدراسة وتغير المرئيات والمقتراحات بناء على شهدناه من خلل في واقع القانون بسبب الدمار البيئي الذي أحدثته الحرب في الخليج.

في‭ ‬كتاب‭ ‬”القانون‭ ‬البيئي‭ ‬والسياسة”‭ ‬درست‭ ‬الوضع‭ ‬القانوني‭ ‬لحماية‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬الخليج

لديكم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتابات،‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬المؤلفات‭ ‬والمبادرات‭ ‬محليًا‭ ‬وخليجيًا‭ ‬وعربيًا‭ ‬التي‭ ‬اهتممتم‭ ‬بها؟

الإبداع الفكري والبحث العلمي من الأدوات المهمة التي لا يمكن للباحث والناشط في الحقل البيئي أن يكون خارج دائرتها، وذلك ما أكد حضوره في مبادراتنا البحثية، وكانت المبادرات الأولية التي تمثل قيمة بحثية إعداد كتاب منهجي بالعام 1995 بعنوان "القانون البيئي والسياسة - دراسة في الوضع القانوني لحماية البيئة في ظل المشكلات السياسة في منطقة الخليج العربي" و"الوعي الاجتماعي والجريمة البيئية"، بيد أنهما لم يريا النور لاعتبارات خاصة وبرغم من أهميتهما البحثية فهما في حاجة إلى مراجعة دقيقة بعد مضي فترة من الزمن على إعدادهما.

البحث والكتابة في الحقل البيئي لم يتأثرا بذلك بل ظلا ملازمين لجهدنا البيئي، إذ عملنا في نشر بحوث بيئية في مجلات محكمة من أبرزها "الأمن البيئي في منطقة الخليج العربي" - مجلة الرافد دائرة الثقافة والإعلام أغسطس 1997، "الوعي الاجتماعي والجريمة البيئية" - مجلة الفكر الشرطي - الإدارة العامة لشرطة الشارقة - يناير2001، و"التطوع البيئي والأمن الاجتماعي" - مجلة الفكر الشرطي - الإدارة العامة لشرطة الشارقة أبريل 2005م، إلى جانب مقالات تخصصية في الشأن البيئي جرى نشرها في مجلة الشرطي - الادارة العامة لشرطة الشارقة.

الكتابة في الحقل البيئي أكدت حضورها في المقالات التي جرى نشرهما في صحف الاتحاد والخليج والرؤية الإماراتية، بيد أن الأكثر فعلا تمثل في مجموع المقالات المتنوعة في الحقل البيئي التي جرى نشرها في "صحيفة الوسط" البحرينية، والتي ارتكزنا في إعدادها على منهج البحث العلمي لتمكين الباحثين في الحقل البيئي وطلبة الدراسات العليا من الاستفادة منها في دراساتهم البحثية، وبلغت ما يزيد على 200 مقال في موضوعات متنوعة ونفكر في جمعها وإصدارها في مجموعات.

هل‭ ‬أصبتم‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭.. ‬وما‭ ‬هي؟

الحياة مليئة بالمنعطفات والمواقف التي يكون بعضها مؤلمًا، خصوصا عندما تعمل بثقة ونقاء نية، وتقدم لبعض من تتعامل معهم خيرة ما تملكه من خبرات وتساهم في الارتقاء بمستواهم المهني، الذي بفعله يرتقون في مناصبهم الإدارية والوظيفية ما قد يسبب لك خسارة شخصية، وبرغم ذلك فإن نكران الجميل لا يؤثر على واقعي في مواصلة مسيرة العمل؛ بفعل إيماني بأن الله سبحانه يسبب الأسباب لفتح الأبواب، وذلك ما ساهم في صون مسيرة حياتي ومواصلة عطائي في الشأن الاجتماعي والبيئي، ودون سرد تفاصيل المحطات المؤلمة وخيبات الأمل المشار إليها، يمكن الإشارة إلى عينة في ذلك، وهو الحدث الذي يحتاج لمراجعة مسؤولة ويمثل خسارة وطنية للعمل الأهلي البيئي، ويتمثل في الموقف الذي تسبب في تجميد نشاط "جمعية البحرين للبيئة"، المشروع الوطني الرائد والشريك الفاعل للمجلس الأعلى للبيئة، الذي كانت له مساهماته الحيوية في المشروعات البيئية للمجلس الأعلى للبيئة.

لا‭ ‬أنسى‭ ‬حادثة‭ ‬جنوح‭ ‬ناقلة‭ ‬نفط‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬السبعينات‭ ‬وتلويث‭ ‬السواحل‭ ‬بالبقع‭ ‬الكثيفة‭ ‬

ماذا‭ ‬يمثل‭ ‬لكم‭ ‬الدور‭ ‬المجتمعي‭ ‬للتوعية‭ ‬بالبيئة،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحزنكم‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يفرحكم؟

المجتمع ركيزة مهمة في تعزيز فاعلية الإدارة البيئية وصون معالم النظام البيئي، وذلك البعد دفعنا إلى تبني منهج العمل لبناء الوعي الاجتماعي البيئي، وتمثلت البدايات في النشاط الذي اضطلعنا به في تنظيم برامج التوعية البيئية كوننا منتسبين لجمعية أصدقاء البيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وجرى العمل على تنظيم منظومة من المحاضرات التوعوية لطلبة المدارس والمؤسسات المختلفة في مختلف إمارات الدولة وتنظيم دورة تأهيل الكادر البيئي لطلبة المدارس العام 1997، وساهمت في إعداد محور قطاع التعليم والوعي البيئي في الإستراتيجية الوطنية للبيئة في دولة الإمارات.

وعندما التحقت بالعمل الوظيفي في هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة عملت على إعداد استراتيجية اتجاهات العمل للتطور الإداري والبرامجي للتوعية والتثقيف البيئي 2001 - 2005 ومشروع التوعية والتعليم البيئي في الخطة الاستراتيجية والتشغيلية لمجلس الشارقة للتعليم للعام 2012 - 2013، ومشروع الدراسة الميدانية لقياس مستوى الوعي والقدرات البيئية للمجتمع في الشارقة - مرحلة تنفيذ الدراسة 2013 - 2014.

وتعزيزًا لذلك التوجه أشرفت على تخطيط وإدارة تنفيذ دورة الشارقة للتأهيل البيئي لطلبة المدارس 1999 - 2011، وحملة التوعية البيئية للحفاظ على بيئات المناطق البحرية والساحلية 2000 - 2012، وحملة التوعية البيئية لمرتادي المناطق البرية في الشارقة 2008 - 2012، وصياغة نظام لجنة التوعية والتثقيف البيئي في إمارة الشارقة الذي جرى اعتماده بموجب قرار المجلس التنفيذي رقم (12) لسنة 2012، وكان لذلك التوجه أثره الملموس في تفعيل الاهتمام الاجتماعي بالقضايا البيئية.

العمل الوطني في الشأن البيئي أخذ مساحة مهة في اهتمامي البيئي، وتعزز بشكل فعلي في العمل على تأسيس جمعية البحرين للبيئة، التي تمثل أحد روافد العمل التطوعي البيئي في البحرين وتأسست بموجب القرار الوزاري رقم 36 لسنة 2001 الصادر عن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل سابقا في 5 سبتمبر 2001، وساهمت بشكل فعلي في مشروعاتها للتوعية البيئية.

وبالنظر إلى ذلك الجهد يمكن تحديد الإجابة على سؤالكم: ما الذي يحزننا وما الذي يفرحنا. يمكن في السياق القول إن ما يحزننا هو اللامسؤولية والأنانية وتغليب المصالح الخاصة، التي يتميز بها البعض في العلاقة مع النظم البيئية، على المصلحة العامة، الأمر الذي يتسبب بما نشهده من تدهور في النظام البيئي لكوكب الأرض في بعده الشامل وتدهور البيئات الطبيعية وتلويث المحيط البيئي للإنسان على المستوى الوطني، وإن ما يفرحني تزايد الاهتمام الاجتماعي وتصاعد الحراك البيئي عالميا ووطنيا.

 

كيف‭ ‬هي‭ ‬تجربتكم‭ ‬كممثل‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬البلدي؟

العمل البلدي ليس مسارًا مختلفًا عن واقع خبراتنا في العمل البيئي، فهو متداخل في منظومة اتجاهاته القانونية والمؤسسية كما هو عليه واقع العمل الأهلي والمؤسسي الرسمي في الحقل البيئي، إذ يمثل في طبيعة وظائفه ومتطلباته مزجا بين العمل الأهلي كونه مسارا يمثل مطالب المجتمع والدفاع عن مصالحه الخدمية والتنموية، وكأداة إدارية وقانونية تستوجب بناء العلاقة مع المؤسسة الحكومية، ويستوجب في سياق ذلك الأخذ بمتطلبات التنسيق والتوافق الإجرائي لتحقيق المطالب الاجتماعية، وهنا ينبغي الإشارة إلى المحطات الصعبة في كيفية توفير متطلبات إنجاز مطالب المجتمع وبناء القناعة الأهلية في ارتباط الجانب التنفيذي للمطالب بالقرار التنفيذي الحكومي، وأن البطء في عملية إنجاز المطالب يحكمه القرار التنفيذي والتخصيص المالي والإجراء المرتبط بالتخطيط وبرنامج الحكومة، وذلك الواقع الذي نواجه صعوبة إيصال قناعة بشأنه إلى المجتمع.

ساهمت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬محور‭ ‬ضمن‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬للبيئة‭ ‬في‭ ‬الإمارات

هل‭ ‬هناك‭ ‬بلد‭ ‬زرتموه‭ ‬وأعجبكم‭ ‬فيه‭ ‬أنظمته‭ ‬البيئية‭ ‬ووعي‭ ‬شعبه؟

ارتبطت مسيرة حياتي المعيشية منذ ثمانينات القرن الماضي إلى حقبة السنوات العشر الأولى للألفية ببلدين مختلفين في ثقافتهما، الأول بلد الدراسة أوكرانيا، والثاني بلد العمل الوظيفي دولة الإمارات العربية المتحدة. النظام البيئي في أوكرانيا يتميز بتنوع مكوناته الطبيعية، وكان الشعب المسار الذي تبنيناه في معالجة ذلك الواقع وعمل على تنظيم التنسيق الواعي في العلاقة مع المؤسسات التنفيذية، وارتكز إلى منهج "التفهم والتفاهم والتوافق" في طرح القضايا والمطالب، وساهم ذلك في بناء علاقة قويمة ترتكز إلى مبدأ التعاون والاحترام المتبادل والعمل المشترك في إنجاز مطالب المجتمع. وفي مقابل ذلك حرصنا على بناء علاقة وطيدة مع المجتمع في الدائرة، والاستجابة الفورية لمطالب الأهالي ودراسة إمكان تحقيقها، وبناء علاقة تفاهم وتفهم المصاعب التي تتسبب في حدوث عدم الرضا بسبب عدم إنجاز المطالب، وتوضيح المصاعب المحيطة بذلك الواقع، وذلك ساهم في تحقيق الرضا الاجتماعي من قبل قطاع كبير من المجتمع في الدائرة، وبرغم ذلك لا يمكن أن ننكر جوانب المعطلات في تنظيم العمل المؤسس في آلية عمل المجلس، ويقابله الأفراد الذين يتبنون مسار خلط الأوراق وإثارة الزوبعات المعطلة لإجراءات العمل البلدي وحرف مساره عن التوجه المطلوب في التركيز على المطالب الفعلية، والتسبب في الإضعاف من إيجابيات العمل في إنجاز مطالب المجتمع.

والدولة تحكمها قوانين تمنع التعدي على البيئات الطبيعية، ويتميز الشعب الأوكراني بثقافة الحفاظ على البيئات الطبيعية، وبحكم القانون تمثل البيئات الطبيعية حقا عاما إلى مرحلة العام 1993، وبعد تلك المرحلة صارت أجزاء واسعة من البيئات الطبيعية ضمن الحقوق الخاصة للأفراد، وبرغم ذلك يظل الشعب الأوكراني يتبنى ثقافة صون البيئات الطبيعية.

أما الحياة في دولة الإمارات فامتدت منذ 1996 إلى 2012، وارتبط وجودي بها بالعمل البيئي، وكانت بداياته في العمل الاجتماعي البيئي، ومنذ العام 1998 التحقت بهيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة، ودولة الإمارات من الدول الرائدة في العمل البيئي، وأسس ذلك رجل البيئة المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أعطى قضايا البيئة جل اهتمامه وساهم ذلك في إنشاء شبكة من المحميات الطبيعية وبناء إدارة حديثة للإدارة البيئية، وبحكم عملي في هيئة البيئة والمحميات الطبيعية كنت على اطلاع بالسياسة البيئية التي يتبناها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في الاهتمام بقضايا البيئة وصون البيئات الطبيعية، وكان يتابع ويحث على الاهتمام بالحفاظ على البيئات البرية، وبتوجيهاته جرى إنشاء عدد من المحميات الطبيعية، وكان للبرامج التي اضطلعت بها دولة الإمارات في بناء الثقافة البيئية أثرها الملموس في الارتقاء بالوعي البيئي للمجتمع وجعل البيئة هدفا رئيسا لأنشطة العديد من المجموعات الناشطة في الشأن البيئي.