+A
A-

ندى حفاظ

وحين نعود إلى بدايات مسيرتها المهنية في العام 1984، انطلقت على أساس تحديد الاتجاهات لتطوير الرعاية الصحية الأولية من خلال الدراسات والبحوث، فتطوير النظام الصحي بالنسبة للمسؤولين عن هذا القطاع ركيزة استراتيجية للنهوض بالخدمات وفق المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، وهذا ما تيسر لها حين تولت حقيبة وزارة الصحة في الفترة من 2004 حتى 2007، وعرف عنها خلال هذه الفترة بفتح الأبواب أمام الكوادر الطبية الوطنية وذوي الخبرة للمساهمة في تقديم أفكارهم ودراساتهم وجهودهم لتحديث الأنظمة الصحية المتوافقة مع المستويات العالمية.

سيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬حافلة

ضيفتنا الطبيبة ندى حفاظ تحمل بكالوريوس طب عام وجراحة من جامعة القاهرة في العام 1979 وشهادة اختصاص طب العائلة من الجامعة الأميركية في لبنان العام 1984 وشهادة طب الأطفال الوقائي من جامعة أدنبرة في بريطانيا، علاوة على دبلوم إدارة الرعاية الصحية الأولية من وزارة الصحة والكلية الجراحية الايرلندية، والتحقت بالعمل في وزارة الصحة العام 1984، وعينت في العام 1986 منسقة خدمات الأمومة والطفولة للرعاية الأولية، وتميزت مسيرتها مع زوجها الطبيب شوقي عبدالله أمين، نائب رئيس مجلس أمناء مراكز الرعاية الصحية الأولية، في أن يكونا من الأسماء البارزة في الحقل الطبي على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم لمشاركاتهما الإقليمية والدولية طيلة السنوات الماضية. وهنا أدوار مهمة لضيفتنا، فقد اختيرت لتكون عضوا في لجنة إعداد ميثاق العمل الوطني العام 2000، وفي العام 2001 تقرر تعيينها عضوا بالمجلس الأعلى للمرأة ورئيسة للجنة الصحة والسكان والبيئة. وفي العام 2002 تم تعيينها عضوا بمجلس الشورى، وتقاعدت في العام 2014.

 

مشروعات‭ ‬ودراسات‭ ‬جدوى

سنبدأ‭ ‬في‭ ‬حديثنا‭ ‬مع‭ ‬ضيفتنا‭ ‬لنتجول‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتيسر‭ ‬من‭ ‬محطات،‭ ‬وإلا‭ ‬لتطلب‭ ‬الوقت‭ ‬ملفات‭ ‬كثيرة‭ ‬لنحيط‭ ‬بها،‭ ‬وسألناها‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬سألناه‭ ‬عن‭ ‬ملامح‭ ‬مرحلة‭ ‬التقاعد‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬الناصعة‭...‬

أكثر المشاعر اعتزازًا هي أن تمتلك تلك الروح التي تخدم فيها وطنك، ولهذا أنا فخورة بإنجازاتي ولله الحمد وسعيدة بها، ومرحلة التقاعد أعيش فيها يومي وأهتم بأسرتي وبمستقبلها، وبصراحة لا يراودني أي إحساس بالنقص إطلاقًا، فقد تبوأت أعلى المراكز بثقة وتشرفت بعضوية المجلس الأعلى للمرأة على مدى 12 عامًا، ولدي درجة عالية من الرضا لأنني قدمت ما أمكنني تقديمه لبلادي الغالية.

هذه‭ ‬الخبرات‭ ‬يعتز‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬بحريني‭ ‬وهي‭ ‬مشهودة‭ ‬لك،‭ ‬لكن‭ ‬ألم‭ ‬تخططي‭ ‬لمشروع‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التقاعد؟

- في الحقيقة نعم، ودعني أقول إن سنوات عملي طبيبة واهتمامي بالأمومة والطفولة وكل المهام التي أوكلت إلي أعتز بها كثيرًا، وردًا على سؤالك، جلست مع زوجي ووضعنا الأفكار وكتبنا وأجرينا دراسات جدوى عدة، مع أنني أؤمن بأن الإنسان يستحق الراحة في تقاعده، فلم أفكر في افتتاح عيادة، لكن فكرنا في مشروعات كمختبر للجينات بالتنسيق مع بعض الشركات، ومؤسسة لتقديم الاستشارات للمؤسسات الأخرى العاملة في القطاع الطبي والصحي، وكذلك فكرة شركة بالتعاون مع شركة أميركية للعلاج بالخارج تتولى مراجعة تقارير المرضى مع أطباء متخصصين في مجالات دقيقة لكي يضمن المريض الحصول على العلاج المتكامل، وقطعنا بعض الخطوات لكن المشروعات لم ترى النور؛ لأننا ركزنا كثيرًا على الجدوى ومدى حاجة السوق.

من المهم مكافأة النفس على الإنجازات التي يحققها الإنسان في حياته لاسيما إذا امتزجت بالعمل الجاد والمخلص والتفاني، فهذه المرحلة وهذا النجاح في العمل سبقه تخطيط وتصميم بل ونقل الخبرات إلى الآخرين، وفي فترة التقاعد، ونتحدث عن الأوضاع الطبيعية وليس في فترة جائحة كورونا، يحق للجميع بعد التقاعد جني ثمار ما أنجز، وأفضلها هي التفرغ للعائلة والعلاقات الطيبة في المجتمع وخدمة الناس.

منذ‭ ‬البداية‭ ‬حتى‭ ‬الفيروس‭ ‬المتحور

على‭ ‬ذكر‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭.. ‬وكونك‭ ‬خبيرة‭ ‬ومخططة‭ ‬صحية،‭ ‬كيف‭ ‬كنت‭ ‬تتابعين‭ ‬الخطوات‭ ‬والآليات‭ ‬والقرارات‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين؟‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نسمع‭ ‬الجواب‭ ‬بلسان‭ ‬خبيرة‭ ‬لها‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬والهيئات‭ ‬الطبية‭ ‬والصحية‭ ‬العالمية‭...‬

هي الحقيقة.. جهود البحرين متميزة تمامًا، ولا أقول هذا الكلام مجاملةً كوني وزيرة صحة سابقة، بل نفخر بأننا مواطنون في هذه الدولة، وبالفعل، تابعت تفاصيل التفاصيل منذ بداية الجائحة في فبراير 2020، الخلاصة التي انتهيت إليها أنه لطالما هناك قيادة كقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله، وبقناعة وإصرار على النجاح، ستجد أن الجائحة ليست أمرًا سهلًا على الإطلاق، ولهذا لم يكن النجاح الذي تحقق بقيادة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء منحصرا في وزارة واحدة، أو أشخاص في مسؤوليات محددة، بل بمشاركة القيادة برؤية واضحة. وبلا مبالغة، بذلت مملكة البحرين جهودها ونفذت برامجها بشفافية.. انظر إلى المعلومات والأوضاع مقارنة بأوضاع دول كبرى، وكيف استعدت البحرين بكفاءة منذ الجائحة إلى مرحلة الفيروس المتحور، وسخرت مستشفياتها ومراكز للرعاية المثلى. وألفت النظر إلى متابعة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الدقيقة لكل الخطوات واستعداد وفهم للموضوع من الألف إلى الياء وكأنه طبيب، وهنا أقول حين تكون القيادة مدركة ومقتنعة ينعكس ذلك على الاستعداد الناجح، وسمعنا كيف أن سموه يتابع التفاصيل أولًا بأول ويناقش منظمة الصحة العالمية ويحيط بكل التطورات.

دول‭ ‬ورؤساء‭... ‬”عفسوا‭ ‬الدنيا”

الوضع ليس بالأمر الهين على مستوى العالم. آخر جائحة كانت في العام 1918 وهي جائحة الانفلونزا القاتلة، أما هذه الجائحة اليوم وبهذا المستوى، فلم نعش أوضاعها من قبل، وكوني مخططة صحية وعملت كثيرًا مع منظمة الصحة العالمية، فنحن ندرك الدور الذي تقوم به المنظمة، وندرك كيف اهتمت مملكة البحرين بكل التفاصيل، لهذا عشنا في أمان، وعلينا مواطنين ومقيمين أن نلتزم، ومن جهتها تعمل الدولة بجهود وزارة الصحة والفريق الوطني والمجلس الأعلى للصحة، وكل الكوادر التي تعمل، والنجاح يتحقق كون نجاح مستوى القيادة عاليا، مقابل ما رأيناه وسمعناه من دول كبرى ورؤساء دول "عفسوا الدنيا" على منظمة الصحة العالمية، حتى جعلوا الناس تشكك في المنظمة وأنا كوني طبيبة آلمني ذلك! نعم لا نقول إن المنظمة لا تحتاج للتطوير، فكل مؤسسة تحتاج لذلك وفي كل المجالات، إلا أن الصحة العالمية تعرف جيدًا ما تفعل.

كنت مسؤولة في فترة ما عن التطعيم في الدولة، وأفهم جيدًا كيف تعمل المؤسسات العالمية، فالجائحة كشفت لنا الكثير من الأمور ومنها الاستعداد الدائم والتأهب لكل ما هو قائم، فكلما كانت المؤسسات الصحية قوية ومتعاونة، فإنها تتجاوز الأزمات بقدرة أكبر لاسيما مع القيادة المقتدرة، وقيادتنا أدركت أهمية تقديم كل الدعم بميزانيات ضخمة، وحتى نكون واضحين، لم تكن الأمور واضحة منذ بداية الجائحة للمخططين الصحيين، فما بالك بالنسبة للناس العاديين، إلا أن الوعي في المجتمع أسهم في إزالة الكثير من "الدربكة"، فتركيبة المرض والميكروب حيرت الجميع، واليوم تعمل المؤسسة الصحية بوعي متقدم.

أدرس‭ ‬الأحفاد‭ ‬وأبتكر‭ ‬طبخات

أين‭ ‬نرى‭ "‬أم‭ ‬سمر‭" ‬في‭ ‬وضع‭ "‬خلك‭ ‬في‭ ‬البيت‭"‬؟

تعايشت مع الجائحة أنا وأسرتي حتى أصبحت طبيعة حياة، فنحن في البيت أكثر وجلوسي مع أحفادي لمتابعة تعليمهم "أونلاين"؛ لأنهم في البيت تحت إشرافي على تدريسهم، وجمعتنا الجائحة أكثر كما هو حال العديدين، وأصبح لدي وقت لهواياتي، فأنا التي لم يكن لديها وقت للطبخ أصبحت أبتكر طبخات، وكذلك ألتقي بالوالدة حفظها الله مرة في الأسبوع مع أنني وهي تلقينا التطعيم، لكن أداري على صحتها وصحة الجميع، وكذلك الحال مع المعارف والأهل، وربما أستمر على هذا الوضع حتى بعد الجائحة فيما يتعلق بنمط الحياة الجديد، وكما ترى فإن الحياة الاجتماعية وفق الوضع تغيرت، ونجلس في البيت ونتابع البرامج التلفزيونية ونمارس الرياضة المنزلية، وعلى العموم، شكلت نمط حياة جميلا.

المرأة‭.. ‬بنسبة‭ ‬أكبر

في‭ ‬حوارات‭ ‬سابقة‭ ‬معك‭ ‬وجدت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬اهتمامك‭ ‬بمنح‭ ‬المرأة‭ ‬مناصب‭ ‬قيادية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬حاليًا،‭ ‬فكيف‭ ‬السبيل؟

الكفاءات النسوية البحرينية متميزة، نعم، أنا مهتمة كثيرة بكل ما من شأنه أن يضاعف وجود المرأة البحرينية في المناصب القيادية، وأعيد تأكيد أن لدينا تجربة انتخابية ديمقراطية، لكن إذا لم ينتخب الناخب المرأة، فلماذا تُحرم من التعيينات؟ لماذا ليس لدينا وزيرات وعضوات مجلس شورى بنسبة أكبر من الحالية؟ واقعًا، لدينا كفاءات على أعلى مستوى في القطاع النسائي ويمكنهن تقديم عمل رائد، والمرأة البحرينية تتعلم وتتميز جيلًا بعد جيل، وبفخر واعتزاز أقول إنني معجبة بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكرر أنهم هناك لا يشبهون أحدًا، وآخر إشراقة رأيناها هي تعيين "وزير للسعادة"، فالإمارات لا تشبه أحدًا في قراراتها وهي تحقق القفزة تلو الأخرى ويفعلون ما يرون أنه ينهض ويتقدم بالوطن، بالطبع ماتزال هناك تحديات، والتحديات مستمرة، ولهذا نرى الجهود الطيبة والمثابرة للمجلس الأعلى للمرأة بقيادة صاحبة السمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة جلالة الملك رئيس المجلس الأعلى للمرأة حفظهما الله، ونسير بعون الله على خطوات صحيحة المسار.

راية‭ ‬الشباب‭ ‬البحريني

من‭ ‬عباراتك‭ ‬الذهبية‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬للإنجاز،‭ ‬فماذا‭ ‬سيكون‭ ‬عطر‭ ‬ختام‭ ‬لقائنا؟

أقول شكرًا لكل مسؤول وكل مواطن يحمل المسؤولية، فهي شيء كبير على مستوى الوطن، ونتفهم العمل الذي يقوم به كل شخص في موقعه، ونتمنى دائمًا الشخص المناسب في المكان المناسب ونفرح بذلك.. أنا شخصيًا أفرح لوجود الأشخاص المناسبين في أماكنهم المناسبة، وأسعد حين أرى الشباب ورايتهم مرتفعة، لهذا فرحت بالتعيينات المبشرة في ديوان سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وهذه الطاقات الشبابية الخلاقة التي نعتز بها.