+A
A-

د. خولة علي

طبيبة‭ ‬بحرينية‭ ‬أفنت‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬بالكفاح‭ ‬والمثابرة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬دعت‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬للافتخار‭ ‬بها،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬واجهة‭ ‬مشرفة‭ ‬لطاقات‭ ‬وكفاءات‭ ‬شابات‭ ‬البحرين‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬النطاق‭ ‬الغربي‭ ‬أيضًا‭. ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬كبيرة‭ ‬ألهم‭ ‬فئة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يتطلعون‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الآن،‭ ‬فأصبحت‭ ‬قدوة‭ ‬لهم‭ ‬ومثلًا‭ ‬أعلى‭ ‬يمدهم‭ ‬بالإصرار‭ ‬والعزيمة‭ ‬لمواصلة‭ ‬بذل‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬لرؤية‭ ‬أحلامهم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬

الطبيبة‭ ‬خولة‭ ‬علي‭ ‬انكبت‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬تخصصها‭ ‬الطبي‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬ومزاولته‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬بأي‭ ‬صلة‭ ‬لعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تجربة‭ ‬اغترابها‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬صنعت‭ ‬خولة‭ "‬الحالية‭"‬،‭ ‬حتى‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬ساعدها‭ ‬على‭ ‬تخطي‭ ‬الحواجز‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتخبط‭ ‬في‭ ‬داخلها‭..‬‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬عالم‭" ‬الوعي‭ ‬بالذات‭" ‬وخوضها‭ ‬له،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬إصدارها‭ ‬كتاب‭ "‬المنهج‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يدرس،‭" ‬والذي‭ ‬أوقد‭ ‬شعلة‭ ‬من‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كثيرين‭ ‬ممن‭ ‬قرأوا‭ ‬الكتاب‭ ‬وتصدر‭ ‬قائمة‭ ‬الكتب‭ ‬الأكثر‭ ‬مبيعًا‭.. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الأصداء‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬خلقها‭ ‬الكتاب‭ ‬حدثت‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مخطط‭ ‬له‭. ‬كل‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬الطبيبة‭ "‬خولة‭" ‬شعر‭ ‬أنها‭ ‬كتلة‭ ‬متوهجة‭ ‬بالطاقة،‭ ‬وجميع‭ ‬من‭ ‬قابلها‭ ‬التمس‭ ‬جمال‭ ‬روحها‭. ‬تعد‭ ‬الآن‭ ‬فردًا‭ ‬بارزًا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬يضيف‭ ‬إليه‭ ‬الجديد‭ ‬والمفيد‭ ‬ويسعى‭ ‬جاهدا‭ ‬للتغيير‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭.‬

 

باعتبارك‭ ‬طبيبة‭ ‬استشارية‭ ‬في‭ ‬تخصص‭ ‬السمنة‭ ‬والغدد‭ ‬الصماء‭ ‬والباطنية،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬دفعك‭ ‬للاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬عالم‭ ‬"تطوير‭ ‬الذات"؟

المسألة غير متعلقة بتخصص محدد؛ لأن مجال تطوير الذات يخص الإنسان بذاته بغض النظر عن مجاله الدراسي أو مهنته، ولكن بحسب تجربتي الشخصية المبنية على 13 سنة من الخبرة في مجال الطب، ما أدركته هو أن الفئات الأشد حاجة لتنمية الوعي بالذات هم الأطباء الذين يعملون في القطاع الصحي؛ باعتبار أن تخصصنا يعد من أكثر التخصصات التي تستنزف طاقة الإنسان وتأخذ من وقته وتسلب منه تركيزه على نفسه كونه يصب تركيزه على خدمة الغير.. وبطبيعة الإنسان البشرية أنه لن يتمكن من العطاء إن كان مخزونه الداخلي فارغا، وما رأيته للأسف هو أن غالبية الأطباء المتفانين في عملهم قد نفذ مخزونهم نتيجة فقدانهم راحة البال وافتقارهم للشعور بالسكينة والسلام الداخلي والسعادة الداخلية.. ومن هذا المنطلق اتجهت إلى مجال تطوير الذات.

كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يدمج‭ ‬الناس‭ ‬بين‭ ‬مصطلحي‭ ‬"التنمية‭ ‬البشرية"‭ ‬و"تطوير‭ ‬الذات"،‭ ‬فهل‭ ‬هنالك‭ ‬فرق‭ ‬بينهما؟

المفهومان متداخلان ببعضهما، فتطوير الذات يرتكز على الفرد نفسه ويسمى أيضًا بالتنمية الذاتية، أما التنمية البشرية فتشمل فيها التنمية الذاتية، الذي يعد مصطلحا أشمل لتطوير الذات.

 

من‭ ‬أين‭ ‬تولدت‭ ‬لديك‭ ‬فكرة‭ ‬تأليف‭ ‬كتابك‭ ‬الذي‭ ‬ارتكز‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭ ‬بداخل‭ ‬ذواتنا؟

سأخبرك بسر كتاب "المنهج الذي لا يدرس".. في الحقيقة أنا لم أكتبه ليصبح على هيئة كتاب يتوافر الآن بين أيدي الناس، ولم تكن لدي النية بأن أصبح مؤلفة.. لكنني في الواقع مررت بمرحلة صعبة في بدايات جائحة كورونا، وأكاد أجزم لك أنها كانت من أشد المراحل صعوبة عليّ؛ لأنني بكل صراحة كنت أفتقد للشعور بالسعادة والاطمئنان والاستقرار الداخلي طوال فترة حياتي، لكن في العام 2019 حدث التغيير الجذري حينما بدأت الغوص بداخل أعماقي.. فتمكنت من إعادة النظر في قرارات عديدة اتخذتها في حياتي ومن أهمها كانت ممارسة الطب، حتى وصلت لمرحلة أصبحت أسأل نفسي بصدق ولأول مرة ومن دون أي أعذار، هل أنا بالفعل مستمتعة بعملي أو هل بالفعل أشعر بالاكتفاء الذاتي وأنا أمارس هذه المهنة؟ فكانت لدي تساؤلات كثيرة عن هذا الموضوع. ولذلك خلال فترة الجائحة قررت أن أعطي نفسي فترة استراحة؛ لأنني كنت بحاجة شديدة للاختلاء بنفسي بهدف إعادة ترتيب أفكاري وتعديل مجرى حياتي، وقمت بأخذ إجازة لمدة سنة كاملة من عملي "طبيبة".. سنة أمارس فيها العمل الطبي بالمجال الأكاديمي فقط "أستاذة جامعية". الجميع كان يعتقد أنني في فترة نقاهة وراحة من ضغوطات العمل، لكنها في الحقيقة كانت فترة ليست بسهلة عليّ، فكيف ستكون بتلك السهولة إن كنت تعيش في صراع داخلي بينك وبين نفسك بشكل يومي، فجلست خلال هذه السنة أتساءل عن الـ 13 سنة التي مضت: هل أنا بالفعل اتخذت القرار الصحيح واستثمرت كل هذه السنوات العديدة لأعيش تلك الحياة التي أعيشها الآن؟! ولكن يمكنني القول الآن إن هذه المرحلة كانت بمثابة التنوير لخولة؟ من هنا بدأت الانطلاقة في مجال التطوير الذاتي، فلأول مرة بدأت أقرأ كتبًا بعيدة عن مجال الطب والصحة وصرت أرى العالم من منظور آخر حتى وجدت نفسي أنغمس بعالم الوعي الذاتي شيئًا فشيئًا بعدما قرأت قرابة 40 كتابًا في سنة واحدة من مجال علم النفس والتوعية الذاتية.. وما دفعني لأتجه نحو هذا المجال هو رغبتي الشديدة في التعرف على نفسي، من هي خولة وماذا تريد من الحياة وكيف يمكن أن تصل للنور الحقيقي؟ فخلال قراءتي لأي كتاب أو حتى أثناء استماعي للكتب الصوتية كنت دائمًا ما أدون أي ملاحظة تطرأ على بالي.. حتى تكونت لدي مذكرة تحتوي على أفكار من يومياتي وأصبحت بمثابة مرجع لي؛ لأنها كانت عبارة عن رسائل كتبتها لنفسي حتى أعود إليها في حال مروري بأي ظرف صعب. وهناك شيء لابد من ذكره، وهو أن أي تغيير جذري سيحدث في حياتنا لن يتم بالاعتماد على ذواتنا فقط، وإنما يجب علينا استشارة متخصصين وذوي خبرة في أمور الحياة، وهذا ما فعلته أنا شخصيًا، وهو أنني لجأت للتعامل مع استشارية متخصصة لأشاركها جميع أفكاري، وهي من اقترح علي أن أحول تلك المذكرة التي تشمل أفكاري والدروس التي استنتجتها إلى كتاب لعل يستفيد منه الآخرون الذين يمرون بنفس مرحلتي، سواء أكانوا طلابًا أو موظفين أو حتى أناسًا متقاعدين أو على وشك التقاعد.. ولا أخفي عنك أنه عندما اقترحت عليّ الاستشارية فكرة تحويل المذكرة إلى كتاب للنشر تخوفت في بادئ الأمر؛ لأنه كما تعلمين أن الأمور التي تم تدوينها كانت عبارة عن أفكار خاصة ومشاعر ليس من السهل أن أبوحها لأي أحد.. فمن منا يحب أن يستعرض نقاط ضعفه على العلن؟! ولكنني اقتنعت لاحقًا أن هنا تكمن القوة في ألا أخجل من تلك الأفكار طالما يوجد فئة كبيرة من الناس تواجههم نفس العقبات والتحديات التي عايشتها، فبدأت بعدها عملية تجميع وإعادة صياغة وترتيب الأفكار التي تم تسجيلها، فالمحتوى موجودًا، وأخذت مني المسألة قرابة 9 أشهر لتصبح المذكرة فيما بعد كتابًا جاهزًا للنشر.

 

‭ ‬"المنهج‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يدرس"..‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬صدر‭ ‬لك،‭ ‬فكيف‭ ‬حقق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬الكبير‭ ‬ولقي‭ ‬صدى‭ ‬إيجابيا‭ ‬واسعا‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الكتب‭ ‬الأكثر‭ ‬مبيعًا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬التأليف؟‭ ‬

ببساطة لأنه كتاب لا يعرف لغة النفاق، كان بعيدًا عن التملق والمجاملة وعن إظهار الأشياء بغير صورتها الحقيقية، فأنا ببساطة قلت الشيء على حقيقته وواقعه.. تحليت بالجرأة واعترفت بأمور يخجل الأطباء من الاعتراف بها.. يخجلون من قول "نحن تعساء".

غالبية الأطباء يستمدون استحقاقهم الذاتي من مهنتهم، ولو نظرنا إلى جوهرهم سنرى أن استحقاقهم منخفض وليس حقيقيا كونهم يستمدونه من راتبهم ولقبهم ومسماهم الوظيفي، ومتى نرى هذا الشيء بوضوح؟ في حال تعرض الطبيب إلى النقد أو تم رفع قضية عليه أو حتى في حال تقاعده، فعندما يزيلون هذا المسمى منه أو يتعرض لقبه للتهديد نرى أن عالمهم الداخلي يهتز، وهذه الوقائع التي شهدتها طوال فترة سنوات عملي قمت بذكرها كما هي وبصورتها الحقيقية، إذًا فالواقع الذي نقلته هو ما أحدث هذا الصدى للكتاب.

 

 

ما‭ ‬أكثر‭ ‬تعليق‭ ‬تلقيتِه‭ ‬على‭ ‬كتابك‭ ‬وترك‭ ‬فيك‭ ‬أثرًا‭ ‬مازال‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬عالقًا‭ ‬في‭ ‬ذاكرتك؟

عندما أجد أحدًا يقول لي "أنت عرفتني أكثر مما أعرف نفسي"، فهذه الجملة أعتبرها شهادة قوية، والشهادة الثانية الأقوى هي المقال الذي كتب بقلم الأستاذ محمد العثمان تحت عنوان "المنهج الذي يجب أن يدرس".. وأذكر أنني في ذلك اليوم كنت مرهقة نتيجة الضغط ولكن هذا المقال الذي كتب عني كان بمثابة البلسم لقلبي، والذي استطاع من خلاله الأستاذ محمد أن يصف مضمون الكتاب بكلمات عميقة وبمعنى دقيق، وأكثر ما لفتني في المقال هو ذكره لنقطة مهمة تعني لي كثيرًا وهي إشادته بسلاسة الأسلوب المستخدم في الطرح إضافة لسلامة اللغة العربية وخلوها من الأخطاء اللغوية والنحوية.. فأنا عشت لمدة 13 سنة خارج البحرين في مجتمع أجنبي لا يتحدث العربية، إلا أنني ولله الحمد استطعت بقدر الإمكان أن أطرح المعلومات بلغة سليمة وبأسلوب سلس وواضح وبعيد عن التكلف؛ بهدف أن يصل إلى أكبر شريحة من المجتمع بمختلف الفئات العمرية، وربما البعض ينظر لهذه النقطة من زاوية أخرى معتقدين أن الكاتب إذا أراد أن يصبح مشهورًا أو يطمح للوصول إلى مكانة رفيعة في تأليفاته يجب عليه أن يستخدم المصطلحات المعقدة، ولكن من وجهة نظري أرى أنه كلما كانت المسألة واضحة وسلسة أكثر كلما كان تأثيرها أكبر.

 

برأيك‭ ‬هل‭ ‬مجال‭ ‬"تطوير‭ ‬الذات"‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬علم‭ ‬ودراسة‭ ‬أم‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الخبرة‭ ‬فقط؟‭ ‬

لا بالطبع، الخبرة غير كافية، فيجب على الشخص أن يلتفت إلى مصدر علمي؛ لأن الخبرة والتجارب مهما كانت عميقة وثرية إلا أنها غالبا ما تكون ملونة أو مصبوغة بالنظرة الشخصية الموحدة، فبالتالي لن يتمكن الشخص من فهم معاناة عامة الناس أو حتى استيعاب مشاعرهم إلا إذا تعمق في فكرهم وهذا من أصعب الأمور، وأنا أقولها لك بكل صراحة، نحن نواجه مشكلة كبيرة من ناحية عدم وجود تخصصات جامعية ومرتكزات قوية تدرس هذا العلم، ألا وهو "تطوير الذات أو الوعي بالذات"، مع أن هذه المسألة مهمة جدًا وتمس كل إنسان، إلا أننا ما زلنا نفتقد الاهتمام بهذا العلم الذي يحتاجه كل إنسان.

 

‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬تعتقدين‭ ‬أن‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬تنقصها‭ ‬ثقافة‭ ‬"الوعي‭ ‬بالذات"؟

ليس مجتمعاتنا فقط، فأنا عشت في وسط مجتمعات غربية متحضرة جدًا وتعرفت على العديد من الشخصيات ذات المناصب الرفيعة من ذوي العلم والثقافة العالية، لكن للأسف أتوقع أن البشرية بأكملها تحتاج إلى الوعي الذاتي، وكلما تعمق الشخص بأي علم من علوم الحياة كلما ابتعد عن وعيه بذاته.. وأصبح من الطبيعي أن ترين شخصًا رتبته عالية وله مكانته المرموقة في المجتمع إلا أن وعيه الذاتي منخفض، ويتمثل ذلك بأبسط شيء كطريقة معاملته لمن هم أقل مستوى منه، وهنا تدركين أن هذا الشخص يعاني من نقص ما بداخله، ولذا ليس مجتمعاتنا العربية فقط من تحتاج لزيادة وعيها بذاتها وإنما العالم أجمع.

 

هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نراك‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬تأليف‭ ‬كتاب‭ ‬جديد؟

لقد طرح عليّ هذا السؤال كثيرًا، ولكن أنا لا أكتب لكي أنشر فقط، فكما ذكرت منذ قليل أن كتابي الأول صدر لحاجة.. صدر بسبب مشاعر وأفكار كانت تتخبط بداخلي ولجأت لكتابة الكتاب كي أساعد نفسي، ولذا إن كنت سأؤلف كتابًا آخر فسيكون لحاجة أيضًا.

 

حصلت‭ ‬على‭ ‬وسام‭ ‬الامتياز‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬الشبابي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬ناصر‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬فماذا‭ ‬يعني‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬التكريم‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬ساهم‭ ‬بزيادة‭ ‬شعورك‭ ‬بالمسؤولية؟‭ ‬

لا أخفيك أن عندما تلقيت الاتصال وأخبروني عن موضوع التكريم، تفاجأت كثيرًا؛ كونه كان أمرًا غير متوقع. ومن بعد هذا اليوم ازداد شعوري بالمسؤولية؛ لأنه عندما يتم منحك وسام تميز في عمل شبابي فهذا يدل على ثقتهم بك وبعملك، ولذا أصبح من الواجب عليّ أن أجتهد أكثر وأسعى وأعمل بكل تفان وإخلاص لكي أوفي هذا الوسام حقه.

 

ما‭ ‬أصعب‭ ‬تحدٍ‭ ‬مررت‭ ‬به‭ ‬طوال‭ ‬مسيرة‭ ‬عملك؟

هناك تحديات كثيرة مررت بها، لكن أول شيء طرأ على بالي عندما سألتِ هو "البشر"، وأنا خصصت جزءًا كبيرًا في كتابي لتناول هذا الموضوع "مطبات مع البشر"؛ فعادة البشر هم من يطلقون التحديات.. وتستحضرني الآن مقولة لخبير في التنمية الذاتية الأستاذ ياسر الحزمي تقول إن كل مشكلات الإنسان تنبع من البشر.. بمعنى أن أي مشكلة أنت واقع بها الآن لو تعود إلى جذورها وأصلها ستكون بسبب البشر، لكن لو ستتعمق في هذه المسألة أيضًا سترى أن تلك التحديات ما واجهتنا إلا لأن هناك تحديات مخفية بداخل ذواتنا.. فالمسألة تبدأ مع مشكلة في تقبل الذات أو مشكلة بانتقاص القيمة الذاتية أو تشكيك بالقدرات، وتلك اللحظات عايشتها بكثرة خصوصًا عندما تغربت وعشت في مجتمع يختلف 180 درجة عن المجتمع الذي نشأت فيه، وبما أنني كنت صغيرة في السن ولم يتجاوز عمري 24 سنة ومعظم الأطباء الذين أعمل معهم كانوا في سن الثلاثين وأعلى، فكانت نظرتي لنفسي، وليس نظرتهم، بأنني أنا أقل منهم، وذلك نابع من المقارنة التي كنت أجريها بيني وبينهم، وهو ما ولد بنفسي الشعور بعدم الاستحقاق، وخروجي من هذه الدوامة كان أكبر تحدٍ بالنسبة لي.. حتى أدركت أن مشكلة عدم تقبل الناس لك أمر يعود للإنسان نفسه ولنظرته لذاته.

 

كيف‭ ‬تستطيعين‭ ‬تنظيم‭ ‬وقتك‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عملك‭ ‬طبيبة‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬مؤتمرات‭ ‬خارجية‭ ‬تتطلب‭ ‬منك‭ ‬السفر،‭ ‬إضافة‭ ‬لإعطاء‭ ‬دورات‭ ‬طبية‭ ‬وعلمية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تقديمك‭ ‬لمحتوى‭ ‬تثقيفي‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي؟

السر يكمن في الانتقاء الصحيح، فالحياة مليئة بالمشاغل والضغوطات، لكن يجب علينا أن ننتقي الأمر الذي سيكون في صالحنا، وربما لم أكن قادرة على القيام بهذا الشيء قبل 5 أو 10 سنوات، أتعلمين لماذا؟ لأنني كنت أقول نعم لكل شيء.. أما في الوقت الحالي أصبحت أقول لا أكثر مما أقول نعم.. ولن أخدعك وأقول إن قدرتي على إنجاز كل تلك الأمور تعود إلى الاستيقاظ المبكر أو ممارسة الرياضة وإلى آخره من النصائح الأخرى، ولكن من أكثر الطرق الفعالة في الإنجاز هو أن ينتقي الشخص الشيء الذي بالفعل سيعود عليه بالنفع أو الذي سيضيف له قيمة وألا يخجل من قول كلمة "لا"، وهذا حق علينا وعلى أنفسنا أن نقبل بما نرغب به ونرفض ما لا يناسبنا، لأنني أعلم بأن غالبية الناس تخجل من كلمة "لا" فقط لترضي الآخرين، وتلك الفئة تستمد استحقاقها وقيمتها من خلال رضا الناس عليها، وأود أن أوضح نقطة مهمة، أن كلمة "نعم" ليست نابعة من الحب للعطاء أو من طيبة القلب الزائدة، وإنما هي مستمدة من رغبة الشعور بالقيمة الذاتية من خلال مدح الناس، وهذا الأمر يعد من أكبر علامات انتقاص الاستحقاق الذاتي لدى المرء.

 

أخبرينا‭ ‬بسر‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬خولة‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلمه،‭ ‬وتبوحين‭ ‬به‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬مع‭ ‬"أضواء‭ ‬البلاد"‭...‬

ذات يوم كنت جالسة مع زوجي، ووجدت شريط تسجيل قديما لي يحتوي على مقابلة تلفزيونية أجريت معي في العام 2007 عندما تخرجت من مرحلتي الثانوية، حيث تم استضافتي في برنامج شبابي مع نخبة من الطلبة الذين كانوا من الأوائل على مملكة البحرين وكنت أنا من ضمنهم.. فقمت بتشغيل الشريط أمام زوجي ولكنني ذهلت من شخصيتي وحتى زوجي تفاجأ بأسلوبي قائلًا: لماذا تقاطعين المذيعين وتتداخلين بكثرة؟! ولماذا تتحدثين بأسلوب يميل إلى الغرور والعجرفة؟! فقال لي: أهذه نفسها خولة التي أعرفها؟ وأنا كذلك شعرت بفرق شاسع بين شخصيتي القبلية والحاضرة.. فالمقصد من ذكر هذا المثال هو أن الشخص يستطيع أن يعمل على تطوير صفاته التي يشعر بأنها تحتاج للتحسين، فالأمر مكتسبًا وليس قائمًا على الفطرة فحسب.

 

من‭ ‬مثلك‭ ‬الأعلى؟

والدتي قدوتي.. وسأقول لك لماذا.. أمي أنجبت 5 أبناء ولله الحمد أحسنت تربيتنا جميعًا، وأنا الآن حامل في شهري الثامن، وهذا أول حمل لي، وللأمانة تعبت كثيرًا وصحتي أيضًا ضعفت، فطوال فترة حملي كانت والدتي لا تغيب عن بالي بتاتًا، فأتفكر بمدى قوتها وصبرها وتحملها في إنجابها 5 أبناء.. ولن يشعر بهذا الشعور سوى من ذاق ألم وإجهاد الحمل، والقادم سيكون أصعب من حيث التربية والرعاية والتدريس وتحمل المسؤولية في ظل زيادة الضغوطات والمشاغل بالحياة، ولذلك من بعد تجربة حملي شعرت بمدى جبروت والدتي.

 

لكل‭ ‬إنسان‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف؟‭ ‬فما‭ ‬نقطة‭ ‬ضعفك‭ ‬في‭ ‬الحياة؟

الهاجس الأكبر في حياتي كان "القلق"، فهذا الشعور كان يرافقني لفترة طويلة من حياتي، كنت إنسانة قلقة كثيرًا ودائمًا ما أشعر بالتوتر على الرغم من عدم وجود أي سبب واضح يدعو للخوف أو الرهبة.. وكأبسط مثال يستطيع الناس أن يعودوا إلى مقاطعي القديمة ويرون مستوى القلق والتوتر الذي كان يبدو جليًا وواضحًا على طريقة كلامي ولغة جسدي وحتى على تعابير وجهي، وسيتمكنون بنفسهم من رؤية الفرق بين خولة سابقًا وخولة الحالية. كان مستوى استقراري النفسي متدنٍ وطريقة كلامي أيضًا كانت سريعة نتيجة الخوف، ولكن اليوم أستطيع القول إنني وصلت إلى مرحلة أعتبرها جيدة جدًا من ناحية الهدوء النفسي والشعور بالسلام والاستقرار الداخلي، وكذلك الضجيج الصاخب الذي كان في عقلي استطعت تهدأته وتمكنت من التحكم بتعابير وجهي ولغة جسدي إلى حد كبير.

 

ما‭ ‬البصمة‭ ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بها‭ ‬خولة‭ ‬وتميزها‭ ‬عن‭ ‬غيرها؟

هناك شيء تكون لدي حديثا، وهذه النقطة تطرقت لها قبل قليل وهي "الهدوء".. لا أقصد الهدوء الخارجي، فكثير من الناس هادئون بطبعهم ولا يتحدثون كثيرًا، لكن المقصد هو الهدوء الداخلي والشعور بالسلام والاستقرار النفسي، والكثير ممن قابلتهم في حياتي أخبروني بهذه النقطة، أنهم عنما يرونني يشعرون بالراحة والاطمئنان، والسر يكمن في الشعور بالاستقرار والتوازن النفسي الذي ينعكس تلقائيا على الخارج وعلى الحول.

 

 

من‭ ‬وحي‭ ‬خبرتك‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬"الوعي‭ ‬بالذات"‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬رسالة‭ ‬توجهينها‭ ‬لكل‭ ‬شخص‭ ‬يفتقد‭ ‬للشعور‭ ‬بالاستحقاق‭ ‬العالي‭ ‬ويجهل‭ ‬مواطن‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يكتنزها‭ ‬بداخله؟

أول ما يطمئن هو اكتشاف الشخص وإدراكه لانخفاض استحقاقه الذاتي وافتقاده للشعور بالقيمة، فكثير منا يعاني من القلق وعدم الاستقرار ولا يشعر باللذة والاستمتاع في حياته على الرغم من أنه يملك كل شيء وليس لديه مشكلات كبرى أو عميقة تدعو لكل هذه المشاعر السيئة، وهذا يدل على علامات انتقاص قيمته الذاتية، وإدراك هذا الانتقاص هو أول خطوة للتغير، أما الشيء الثاني يرتكز على اعتراف الشخص بهذه المشكلة وعدم الخجل منها؛ لأن غالبيتهم يرفضون الاعتراف بهذا الشعور ويقومون بإنكاره عن طريق قولهم جُملا عدة مثل "أنا ثقتي عالية" و"كيف تقولين بأن نظرتي لذاتي متدنية" وما إلى ذلك.. والنقطة الثالثة وهي المسألة الأهم تعتمد على الاستعانة بذوي الخبرة؛ لأن رحلة التشافي ستكون طويلة وتحتاج لمرشد يعينه على هذه الرحلة ليبني استحقاقه شيئًا فشيئًا.