مطالب بتوفير فيزيائي طبي في كل منشأة تستخدم مصادر مشعة
في يوم الفيزياء الطبية...
إعداد - حسن فضل
في 7 نوفمبر من كل عام يحتفي العالم بيوم الفيزياء الطبية. هذا اليوم يصادف يوم ميلاد عالمة الفيزياء والكيمياء ماري كوري التي لها إسهامات كبيرة في استخدام الإشعاع في المجال الطبي.
وشعار يوم الفيزياء الطبية لهذا العام هو الفيزياء الطبية لرعاية صحية مستدامة، والتي أحد محاورها هي تطبيقات الفيزياء في الطب من خلال الأشعة التشخيصية والطب النووي والعلاج الإشعاعي.
تستخدم الأشعة بمختلف أنواعها في مجالات كثيرة، ولكن أبرز تطبيقاتها تكمن في مجال التشخيص الطبي، حيث يستخدم الأطباء أنواعًا مختلفة من الأشعة، كالسينية والمقطعية والطب النووي، بحيث يمكن الاستفادة من خصائصها في الفحوصات اللازمة لإجراء تشخيص كامل لحالة المريض. وتدخل أيضًا في الجانب العلاجي مثل علاج الأورام السرطانية. ولكن على الرغم من هذه الفوائد لا تخلو الأشعة من المخاطر، فالاستخدام الخاطئ والتعرض المتكرر وغير المبرر لها قد يعرض الإنسان لآثار جانبية مضرة.
وهنا يأتي دور الفيزيائي الطبي كضابط سلامة إشعاعية في الرقابة على استخدام الأجهزة والتقييم، فمن مسؤوليات الفيزيائي الطبي في المؤسسات الصحية الإشراف الفني على تشغيل أجهزة القياس والتصوير الطبي والعلاج الإشعاعي ومعايرتها بشكل دوري والتحقق من ملاءمتها لضمان سلامة المريض وجودة النتائج.
وقد أكدت فضيلة جمالي وساجدة علوي في لقاء مع «صحتنا» قصور الاهتمام بدور الفيزياء الطبية في البحرين. فهناك حاجة متزايدة للفيزيائيين الطبيين مقارنة بعدد وحجم المؤسسات الطبية الموجودة حاليًا وما تقدمه من خدمات احترافية في المجال الإشعاعي؛ فغياب دور الفيزيائي الطبي يؤدي إلى تدني جودة الخدمة المقدمة واحتمال تعرض المرضى لجرعات غير مدروسة من الإشعاع. وأشارتا إلى أن معظم مهام الفيزيائي الطبي تهدف في النهاية إلى حماية المريض والعاملين من الإشعاع ولتحقيق الفائدة القصوى المرجوة في الوقت نفسه، عن طريق المعايرة الدورية والمراقبة والتحسين من البروتوكولات المطروحة.
ودعتا إلى وضع قوانين تنظيمية وفتح أقسام فيزياء طبية لخدمة جميع المراكز والمستشفيات الخاصة. وأكدتا ضرورة وجود Radiation Safety Officer أو فيزيائي طبي في كل منشأة سواء طبية أو صناعية تستخدم مصادر مشعة لضمان سلامة الجميع. وأشارتا إلى أن عدد الفيزيائيين الطبيين ممن هم على رأس العمل حاليًا محدود بالرغم من كثرة عدد الأجهزة وساعات عملها الطويلة، ما يجعلها بحاجة لمعايرة دورية متزايدة.
ما هي الفيزياء الطبية؟
علوم الفيزياء الطبية هي فرع من فروع الفيزياء التطبيقية، وهي تعنى بتطبيقات الفيزياء في الطب لا سيما في حال وجود الأشعة بمختلف أنواعها للتشخيص او العلاج.
وتنقسم علوم الفيزياء الطبية لأربعة أقسام رئيسة هي: فيزياء العلاج الإشعاعي، وفيزياء التصوير التشخيصي، وفيزياء الطب النووي، وفيزياء الحماية من الإشعاع، إلى جانب فروع ثانوية مثل فيزياء أجهزة الليزر، وفيزياء الموجات الحرارية والعلاج الحراري، وفيزياء الكهرباء الحيوية مثل تخطيط الإشارات الكهربائية للقلب وللدماغ.
ما مصادر الإشعاعات التي نتعرض لها؟
نحن نتعرض لإشعاعات متنوعة عموما في حياتنا اليومية من مصادر مختلفة سواء طبيعية أو اصطناعية. المصادر الطبيعية تتمثل في الإشعاعات الكونية التي تصلنا من الفضاء، والإشعاعات الأرضية التي تنبعث من الأرض مثل عناصر اليورانيوم والصوديوم وعناصر أخرى فيها نسبة إشعاع بشكل بسيط. فنحن في حياتنا اليومية نتعرض لمستوى من الأشعة نسميه بإشعاع الخلفية Background Radiation، وهذا يعتبر غير مضر، أما المصادر الاصطناعية فتتمثل في المجال الطبي والمجال الصناعي والمفاعلات النووية التي تنتج الوقود النووي واختبارات الأسلحة النووية.
ما أنواع التصوير الطبي ودور الفيزيائي الطبي في هذا القسم؟
هناك أنواع متعددة للتصوير الطبي مثل الأشعة السينية X-ray والتصوير المقطعي CT والتصوير المقطعي البوزيتروني PET CTوالرنين المغناطيسي MRI والموجات فوق الصوتية Ultrasound والفلوروسكوبي Fluoroscopy وأشعة الماموغرام Mammography والأشعة التداخلية. ودورنا في هذا القسم يبرز في عملية اختيار وتركيب الأجهزة الطبية التشخيصية وتجهيز المكان المناسب لعملها في المنشأة واخيار بروتوكولات العمل الملائمة للتصوير، لضبط جودة النتائج مع تقليل الجرعات الإشعاعية للحد المسموح.
ما دور الفيزيائي الطبي في قسم العلاج الإشعاعي؟
قسم العلاج الإشعاعي يختص بعلاج الأورام السرطانية عن طريق تعريضها لأشعة ذات طاقة عالية مثل أشعة جاما.
دورنا في قسم العلاج الإشعاعي هو رسم خطة العلاج الإشعاعي المقررة من قبل الطبيب المختص للتأكد من تعريض الخلايا السرطانية على كمية الإشعاع اللازمة لتدميرها والتأكد من الحفاظ على سلامة الأنسجة السليمة المحيطة بها، إضافة إلى ضبط ومعايرة الأجهزة بشكل دوري.
للتوضيح بشكل أبسط، مهمتنا تشبه مهمة الصيدلاني الذي يتسلم وصفة الدواء من الطبيب، ولكنها وصفة لمقدار طاقة الأشعة التي يحتاجها المريض لاستهداف الورم. حيث تتم رسم خطة العلاج بناءً على الأشعة المقطعية المصورة مسبقًا للمريض، فالورم المستهدف من المفترض أن يأخذ الجرعة الإشعاعية التي حددها الطبيب بدقة؛ ولكن في نفس الوقت يجب أن نتأكد أن الأعضاء السليمة حصلت على أقل جرعة إشعاعية ممكنة، حتى نتأكد أننا أوقفنا نمو وتكاثر الخلايا السرطانية ولم نضر بالأعضاء السليمة الأخرى.
ما دور الفيزيائي الطبي في قسم الطب النووي؟
التصوير في الطب النووي قد يكون لأغراض تشخيصية أوعلاجية، حيث يتم تطبيق النظائر المشعة في جسم المرضى عن طريق الفم أو الوريد. ودور الفيزيائي الطبي التأكد من كفاءة الأجهزة وضبط مصادر الإشعاع وقياس الجرعات الإشعاعية الممتصة في جسم المرضى لتكون في المستوى الآمن، إضافة لتحديد البروتوكولات المناسبة للتخلص من الفضلات الإشعاعية وتطوير بروتوكولات التلوث الإشعاعي في حالة حدوثها.
ما دور الفيزيائي الطبي في المجال الصناعي؟
في المجال الصناعي، أي مؤسسة صناعية تستخدم مواد مشعة يجب أن يتوافر فيها شخص يعمل في نفس المكان لديه الإمكانات والمعرفة والتدريب في التعامل مع المصدر المشع؛ فالتلوث الإشعاعي وارد الحدوث بشكل بسيط أو كارثي. والفيزيائي الطبي قد يكون مؤهلًا لتدريب ضابط السلامة من الإشعاع ليكون ضمن فريق قسم السلامة المهنية في المصنع.
ماذا عن دوركم في سلامة الموظفين العاملين في أقسام الأشعة؟
من مهام الفيزياء الطبي أن يتأكد من سلامة الموظفين الذين يعملون في أقسام الأشعة، فتقني الأشعة يتعرض للإشعاع بشكل مستمر طوال فترة عمله أثناء إجراء الأشعة للمرضى، حتى لو كان من خلف حاجز السلامة أو خارج غرفة الفحص.
يقاس مقدار الأشعة التي يتعرض لها العاملون بنوع من مقاييس الجرعة الإشعاعية يسمى (thermoluminescent dosimeter (TLD يرتديه الموظفون ويقوم الفيزيائي الطبي بقراءته باستخدام الجهاز المخصص بشكل شهري. ثم تتم مقارنة هذه القراءات بالمعدل المسموح سنويا، وإذا تجاوزت الجرعة الإشعاعية الحد المسموح، يتم أخذ الإجراءات المطلوبة بتوقيف الموظف عن العمل المباشر مع الأشعة أو الانتقال لمناطق أقل تعرضًا للإشعاع في العمل، للتقليل من أي أضرار صحية محتملة.
وهذا المقياس يستخدم في المجال الصناعي كذلك، هناك مصانع تستخدم مصادر مشعة، فيستخدم هذا المقياس للعاملين حول هذا المصدر، ويراجع الفيزيائي الطبي القراءات بشكل دوري حتى لا تتجاوز المعدل المسموح سنويًا.
وهناك بروتوكولات متبعة للحالات الخاصة مثل الموظفة الحامل، إذ يوصي الفيزيائي الطبي بأن تضع مقياسين للجرعة الإشعاعية، على البطن وآخر على الصدر كما هو معتاد.
ومن مهام الفيزياء الطبيين أيضًا توعية وتثقيف العاملين في المجال من أطباء وفنيين عن الطريقة الصحيحة لاستعمالها وكيفية التعامل معها ومضارها، لا سيما في حالة توافر جهاز أشعة جديد في المستشفى أو في حالة تطبيق بروتوكولات جديدة.
من الجهة الرقابية في البحرين؟
الجهة الرقابية في البحرين هي المجلس الأعلى للبيئة بالتعاون مع وزارة الصحة والمجلس الأعلى للصحة. كما نرحب بالتعاون مع الجمعية البحرينية للفيزياء الطبية والهندسة الحيوية، حيث نستطيع المشاركة في تحسين وتطوير الخطط والبروتوكولات في مجال السلامة الإشعاعية.
هل تزاولان هذه المهنة حاليا؟
أكملنا دراسة البكالوريوس في الفيزياء الطبية من جامعة البحرين، ودفعنا شغفنا للانخراط في البحث العلمي المتعلق بالمجال. واليوم نحمل درجة الماجستير من المملكة المتحدة وفنلندا.
لم نزاول المهنة بعد ولكن تمكنا بالتعاون مع الزملاء من إعادة تفعيل الجمعية البحرينية للفيزياء الطبية والهندسة الحيوية؛ للمساهمة بارتقاء البحرين في هذا المجال مثل نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي.
ما الفرق بين تخصص الأشعة والفيزياء الطبية؟
تقنيو الأشعة هم الذين يباشرون بإجراء الأشعة للمريض، أما الفيزيائي الطبي فلا يجري الفحص للمريض، إنما يتعامل مع الجهاز نفسه وبروتوكول التصوير المتبع، حيث يتأكد من أن الجهاز سليم ولا يوجد أي تسرب إشعاعي في المنشأة، ويتأكد من أن الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها المريض ضمن الحد الآمن ويتأكد من جودة الصور الناتجة.
هل رصدتم سلوكيات خاطئة موجودة حاليًا؟
في المستشفيات نرصد بعض طلبات للأشعة دون وجود حاجة طبية إليها، مثلًا لدواعي التأمينات الطبية. على سبيل المثال حين يحتاج المريض لأشعة الرنين المغناطيسي، يجبر الطبيب على إجراء الأشعة السينية أولًا، وهذا القرار خاطئ؛ لأن فيه تعريض المرضى لجرعات إشعاعية غير مبررة.
أيضًا لاحظنا إعلانات في الشارع لمستشفيات خاصة عن عروض على الأشعة السينية بمبلغ معين ولفترة محدودة وهذا سلوك جدًا خاطئ؛ لأن فيه دعوة للتعرض لأشعة غير مبررة، فمثل هذا القرار هو مسؤولية الطبيب المعالج وليس المريض.
فندعو لمراقبة هذه السلوكيات وتقنينها، فوجود الفيزيائي الطبي يساهم في ملاحظة وردع أي تجاوزات مماثلة.
ما ضرر تكرار إجراء الأشعة؟
هذا الأمر مسؤولية الطبيب المباشر، حيث يمكن الاعتماد على التشخيص الإكلينيكي ثم اللجوء لنوع الأشعة المناسب للحالة المرضية وتكرارها بما تستدعي الحالة.
وفي المقابل هناك بعض المرضى يرفضون إجراء الأشعة خوفًا من أضرارها، لذلك دائمًا يجب ترجيح الفائدة على الضرر المحتمل، لا سيما أن الأشعة التشخيصية ذات جرعات قليلة مقارنة بالجرعات العلاجية ولا تجرى إلا في حال وجود سبب طبي يقرره الطبيب المسؤول.
كم الفارق الزمني المسموح لإجراء الأشعة بين فترة وفترة؟
يعتمد هذا على وضع المريض نفسه، فإذا كنت ستنقذ حياة المريض من خلال دقة التشخيص بالأشعة، مثلًا في حالة الأمراض التنفسية التي تصل لمرحلة طارئة، فأنت لا تستطيع تحديد التشخيص إلا بعد أخذ الأشعة السينية. فأنت تقدّر الأضرار والفوائد وهذه قرارات يتخذها الطبيب المختص.
ما وضع الفيزياء الطبية في البحرين؟
الإلمام بأهمية الفيزياء الطبية محدود في البحرين. فهناك حاجة لعدد أكبر من الفيزيائيين الطبيين مقارنة بعدد وحجم المؤسسات الطبية الموجودة حاليًا وما تقدمه من خدمات إشعاعية مختلفة. وذلك قد يؤدي إلى تدني جودة الخدمة المقدمة واحتمال تعرض المرضى لجرعات غير مدروسة من الإشعاع.
ففي حال غياب دور الفيزيائي الطبي، يتم الاستعانة بالمهندس الطبي لعمل اللازم، في حين أن دوره ينصب فقط في تشغيل الأجهزة الطبية وصيانتها بشكل دوري.
ما خطورة هذا النقص في عدد الفيزيائيين الطبيين؟
يجب أن تتم معايرة الأجهزة بشكل دوري، يومي وشهري وسنوي. فكثرة استخدام أجهزة الأشعة في اليوم الواحد تجعل القراءات مختلفة لكل مريض، فالمعايرة تساهم في رصد وتعديل هذه القراءات وبالتالي تحديد الجرعات الإشعاعية ضمن المستوى الآمن.
ثم ترفع تقارير المعايرة الدورية إلى المجالس المتخصصة سواء المجلس الأعلى للصحة، وزارة الصحة أو المجلس الأعلى للبيئة.
ما هي اقتراحاتكما؟
نفتقر إلى وجود برنامج (DRLs) للمستويات المرجعية الوطنية Diagnostic Reference Levels الذي من مهامه تقليل تعرض المرضى لأدنى مستوى من الإشعاع خلال فحوصات التصوير الطبي. نحتاج إلى فريق عمل يقوم بجمع البيانات مع جميع المستشفيات الحكومية والخاصة في المملكة ومن ثم تحليلها وعرضها على المختصين لتحديد المستويات المرجعية الوطنية للتشخيص وبالتالي يتيح ذلك للعاملين في المجال مقارنة مقدار الأشعة التي تصدر لكل فحص، بالمستوى الوطني المسموح به، ما يساهم في الحد من التعرض غير المبرر للإشعاع.
ولمعرفة جرعات المريض المستخدمة في منشأة التصوير يحتاج الفيزيائيون الطبيون إلى إجراء أو الإشراف على التقييم الدوري لجرعات المرضى لإجراءات التصوير الشائعة، ويكون هذا عادة جزءا من برنامج ضمان الجودة.
يجب إجراء تحليل لجرعات المنشأة مع مقارنات دورية مع المستويات المرجعية للتشخيص الوطنية (DRLs). إذا كانت القيم المتوسطة لجرعات المريض أعلى باستمرار من DRLs، أو أقل بشكل ملحوظ وذات جودة صورة رديئة، فيجب مناقشة إجراءات التحسين التصحيحية بالتعاون مع الأعضاء الآخرين في فريق التصوير.
كذلك نحتاج إلى وضع قوانين وفتح اقسام فيزياء طبية لخدمة جميع المراكز والمستشفيات الخاصة. بالإضافة إلى ضمان وجود Radiation Safety Officer أو فيزيائي طبي في كل منشأة سواء طبية أو صناعية تستخدم مصادر مشعة لضمان سلامة الجميع.
أنتما من مؤسسي الجمعية البحرينية للفيزياء الطبية والهندسة الطبية الحيوية، فما الهدف من وجود الجمعية؟
الجمعية البحرينية للفيزياء الطبية والهندسة الطبية الحيوية تأسست بالعام 2007 وساهمنا في إعادة تفعيلها في مايو 2022.
والهدف الرئيس منها خلق مجتمع للفيزيائيين الطبيين يتيح لهم التعاون وتبادل الخبرات والمساهمة في خلق وعي مجتمعي من خلال مختلف الأدوات الإعلامية المتاحة. إضافة إلى تشجيع الدراسات والبحوث العلمية على الصعيد المحلي والدولي.